الموقع الاخباري الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية
كلمة دولة فلسطين
يلقيها السفير مهند العكلوك
المندوب الدائم لدولة فلسطين
لدى جامعة الدول العربية
الدورة غير العادية لمجلس جامعة الدول العربية
على مستوى المندوبين الدائمين
القاهرة 28/1/2024
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الرئيس، السفير محمد أيت وعلي، المندوب الدائم للمملكة المغربية الشقيقة، رئيس الدورة
سعادة السفير ممثل الأمانة العامة لجامعة الدول العربية
أصحاب السعادة، المندوبون الدائمون ورؤساء الوفود،
لقد شهدنا يوم الجمعة الماضي 26/1/2024، حدثاً استثنائياً، تكمن أهميته في أنه يعطي فرصة جديدة لاستعادة القانون الدولي، وإنقاذ العدالة الدولية وآلياتها، وهو الأمر الذي أصدرته محكمة العدل الدولية، التي قررت أنها صاحبة ولاية قضائية واختصاص أولي، بالبت في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جمهورية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، قوة الاحتلال والفصل العنصري والإبادة الجماعية، وهذا يعني صراحة أن إسرائيل تحاكم اليوم بتهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية والتحريض عليها، وقد كان ذلك جلياً واضحاً برفض المحكمة طلب إسرائيل اسقاط القضية، وبإقرار المحكمة بفداحة الخسائر البشرية الفلسطينية التي سببها العدوان الإسرائيلي، وبخطاب الإبادة الجماعية الذي أعلنه ومازال يعلنه قادة العدوان.
ومن جهة أخرى فقد أقرت المحكمة بأن الشعب الفلسطيني، هو حسب وصف اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، مجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، محمية بموجب الاتفاقية.
كما أقرت محكمة العدل الدولية في حيثيات الأمر القضائي الاحترازي الذي أصدرته، بأن الادعاءات التي أوردتها جمهورية جنوب أفريقيا في مرافعتها ضد إسرائيل، واتهامها لها بالإبادة الجماعية، إنما هي ادعاءات معقولة من وجهة نظر المحكمة، ومرتبطة باتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، وما أمر المحكمة بإلزام إسرائيل بجملة من التدابير المؤقتة إلا إقرار ضمني من المحكمة أن هناك احتمالاً معقولاً لارتكاب إسرائيل جريمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.
ورغم أن أمر محكمة العدل الدولية لم يتضمن تدبيراً احترازياً ينص صراحةً على وقف إطلاق النار، لكن ذلك كان متوفراً بشكل واضح، بل أساسي، ضمن التدابير المؤقتة الستة التي فرضتها محكمة العدل الدولية على إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال والفصل العنصري والإبادة الجماعية، حيث أمرت المحكمة إسرائيل بالوافاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، وأن تلتزم على نحو فوري وفعال بالتالي:
السادة وفود الدول الأعضاء،
لقد أثبتت إسرائيل، قوة الاحتلال والفصل العنصري والإبادة الجماعية، للمرة الألف أو يزيد، أنها لا تعي معنى العدالة الدولية، ولا تريد أن تفهم أو تتفهم القانون الدولي، لا نصاً ولا روحاً، بل مازالت تعتقد أنها الطفل الذي أفسده الدلال على مدار 76 سنة، وأنه يحق لها أن تكون فوق كل القوانين والمحاكم الدولية والإقليمية، وأن ترتكب جريمة الإبادة الجماعية باسم كاذب ومضلل ومزور، وهو الدفاع عن النفس.
وقد سارع رئيس حكومة العدوان الإسرائيلي، نتنياهو، إلى وصف قبول محكمة العدل الدولية مقاضاة إسرائيل بتهمة ارتكاب الإبادة الجماعية، بأنه وصمة عار لن تمحى، وعاد ذات الشخص الفاسد، مجرم الحرب نتنياهو، إلى وصف الإبادة الجماعية التي يقوم بها جيشه بأنها الحرب الأكثر عدالة. هذه بالضبط وقاحة المجرم، الذي يريد أن يذبح الأطفال والنساء ويهدم البيوت ووالمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، ولا يريد أن يحاسبه أحد ظناً منه أنه فوق العدالة والقانون.
أما جيش الاحتلال الإسرائيلي والإبادة الجماعية، فقد كان رده على أمر محكمة العدل الدولية بوقف القتل والتدمير والإيذاء الجسدي والعقلي، مزيداً من القتل والتدمير، فبالأمس فقط ارتكبت إسرائيل 18 مجزرة جديدة ضد العائلات في قطاع غزة، راح ضحيتها 174 شهيد و310 إصابة، ما رفع عدد الشهداء إلى 26257 شهيداً، وعدد المصابين إلى 64797 مصاباً، وأيضاً 70% منهم من الأطفال والنساء. هذا هو الرد الإسرائيلي الأولي على أمر المحكمة.
السادة وفود الدول الأعضاء،
إن الشعب الفلسطيني النازفة جراحه تحت وطأة الإبادة الجماعية الظاهرة في كل مترٍ مربع من الأرض الفلسطينية المحتلة في غزة والضفة والقدس، مازال يتطلع لمحكمة العدل الدولية لاستكمال قضية الإبادة الجماعية، حتى إدانة إسرائيل بارتكاب أم الجرائم، وذلك أقل إنصاف وجبر للضحايا يمكن أن يتوقعه الشعب الفلسطيني من محكمة العدل الدولية، وآليات العدالة الدولية الأخرى.
ونحن اليوم في مرحلة جديدة بعد أمر محكمة العدل الدولية، وهذه المرحلة تشكل فرصة لنا نحن الدول العربية كي نطور دفاعنا عن الحق العربي الفلسطيني، المنسجم مع القانون الدولي، من خطاب يدعو ويناشد ويدين إلى إجراءات قانونية واقتصادية وسياسية ودبلوماسية من شأنها أن تدافع عن القضية الفلسطينية وتحمي الشعب الفلسطيني بطريقة أكثر فعالية. وبناءً على قرار دورتنا غير العادية السابقة على مستوى المندوبين الدائمين، والمستند إلى قرارات مجلس جامعة الدول العربية على مستويي القمة والوزاري، فقد تشكلت لجنة المندوبين الدائمين المؤقتة، واجتمعت مرة يوم الأربعاء الماضي 24/1/2024، وتدارست مجموعة من الإجراءات التي يمكن أن تقوم بها الدول العربية، وستصدر تقريرها بعون الله، يوم الثلاثاء 30/1/2024، وتعممه على جميع الدول الأعضاء.
وأغتنم كلمتي أمام مجلس الجامعة، لأسلط الضوء على قضية مهمة مرتبطة بالحرب الانتقامية التي تقوم بها إسرائيل ضد كل مكونات القضية الفلسطينية، وهي حملة التحريض الممنهجة التي تمارسها إسرائيل ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – الأونروا، هذه الوكالة الأممية التي تعمل بموجب تفويض أممي متجدد، حيث تم تجديد تفويضها بموجب قرار للجمعية العامة وحتى ٣٠ يونيو ٢٠٢٦، يتضمن التزامات واضحة تجاه اللاجئين الفلسطينيين في جميع الدول المضيفة لهم. هذه الحملة الممنهجة ليست جيدة، فلطالما سعت إسرائيل إلى تجفيف موارد الأونروا وإنهاء دورها وتفويضها، بغية القضاء على ما تمثله من قضية نحو 7 ملايين لاجئ فلسطيني. وعلى مدار أكثر من 110 أيام تعرضت الأونروا ومدارسها ومقراتها وموظفيها وكوادرها، جزءاً من الأهداف العسكرية الإسرائيلية، حيث استشهد ما يزيد على ١٥٢ من موظفي الأونروا ودمرت ٦٥ مدرسة، وهي تتعرض اليوم لحلقة جديدة من الاتهامات الجزافية دون تدقيق أو تحقيق، أدت مع كل أسف إلى اتخاذ بعض الدول المساهمة في الأونروا لاتخاذ إجراءات لوقف تمويلها، ومن هنا نطالب الدول التي اتخذت تلك الإجراءات بإعادة النظر فيها والتراجع عنها، ومحاسبة إسرائيل أولاً على الجرائم التي ارتكبتها بحق الأونروا ومؤسساتها وكوادرها في غزة، وثم التدقيق بالاتهامات الإسرائيلية وأهدافها وجذورها.
السادة وفود الدول الأعضاء،
أختم كلمتي بتحذير كل الدول والجهات المتواطئة مع العدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني أو الداعمة له، سواء من خلال تقديم أو تصدير السلاح، أو من خلال السماح لمواطنيها وحملة جنسيتها بالمشاركة في جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي، أو من خلال دعم العدوان الإسرائيلي في مجلس الأمن، أو من خلال التواطؤ مع جريمة التهجير القسري، بأن هذه الدول والجهات ستكون شريكة في الجرائم الإسرائيلية، ومسؤولة عن أعمالها وانتهاكاتها أمام محكمة العدل الدولية وجميع آليات العدالة الدولية والوطنية في المستقبل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،