الموقع الاخباري الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية
ليس من الأمر الطبيعي أو الإنساني أن يعيش المرء حالة طوارئ دائمة طوال سنيّ حياته، لكن هكذا عاش ولا يزال اللاجئون الفلسطينيون بفعل بشري إجرامي بعد أن إقتلعتهم إسرائيل وعصاباتها الصهيونية قسراً من أراضيهم وديارهم الأصلية فلسطين، وبعثرتهم في بقاع الأرض إبان النكبة الكبرى عام 1948. وتوالت النكبات المتجددة وحالات الطوارئ المستمرة للاجئين الفلسطينيين وأبنائهم وأحفادهم إمّا بسبب نفس المجرم الإسرائيلي داخل الوطن أو بفعل الظروف والاضطرابات الأمنية والسياسية والاقتصادية في الدول المضيفة ودول العالم.
بينما نشرف على تدشين السنة الثانية بعد السبعين لذكرى النكبة الكبرى، أُلحق فايروس كوفيد 19 حديثاً بقائمة الطوارئ التي لاحقت اللاجئين في كل أماكن تواجدهم عبر التاريخ الطويل والحافل بالمخاطر والتحديات، والمتمثلة أولاً بإستمرار الإحتلال الإسرائيلي وخروقاته المباشرة لحقوق اللاجئين، ورفض إسرائيل تنفيذ قرار الأمم المتحدة 194، ومنع أكثر من [1]6.171.793 لاجئاً من مختلف أنحاء العالم من ممارسة حقهم القانوني والطبيعي بالعودة منذ النكبة الكبرى عام 1948 حتى اليوم، وثانياً باستهداف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" من قبل إسرائيل وإدارة ترامب في محاولة للقضاء عليها وتجفيف مواردها المالية تمهيداً لتصفية قضية اللاجئين.
تتناول هذه الورقة نماذج عن أوضاع اللاجئين الفلسطينين في الوطن والمنفى ومخيمات اللجوء قبل وأثناء إنتشار فايروس كوفيد 19، وأبرز الخروقات الإسرائيلية بحقهم، والأزمة المالية للأونروا، وخطة ترامب-نتنياهو لحلّها والتخلص من قضية اللاجئين، وشهادات حية[2]، ومسؤولية المجتمع الدولي في محاسبة إسرائيل على جريمة النكبة، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين بإعتبارها المفصل الرئيسي لحل القضية الفلسطينية.
يبلغ عدد اللاجئين في القطاع 1.386.455 أي نحو ثلتي عدد سكانه البالغ مليوني فلسطيني. يعيش نحو 600.000 منهم في 8 مخيمات معترف بها للاجئين الفلسطينيين، ,يتلقى 981.361 لاجئاً منهم حالياً مساعدات غذائية طارئة من "الأونروا"[3]. تسبّب الحصار الإسرائيلي غير القانوني وإنتهاكات الإحتلال المختلفة، بما فيها الحروب المتتالية التي شنتها إسرائيل على القطاع منذ عام 2008 وحتى عام 2014 وهجماتها العسكرية العدوانية المتواصلة حتى اليوم، بمعاناة إنسانية وإجتماعية وإقتصادية غير مسبوقة للشعب الفلسطيني في غزة، وأدت إلى دمار وخسائر فادحة في الممتلكات والبنية التحتية والأرواح، راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين، مع بقاء عملية الإعمار وإصلاح عشرات آلاف المساكن حتى الآن دون إنجاز. حيث لا تزال "57.481 أسرة لاجئة بحاجة إلى إصلاح مساكنها ومساعدات نقدية في المأوى الانتقالي. ساهم ذلك في إفقار المواطنين الفلسطينين أكثر، وأدى الإرتفاع الحاد في مستوى الفقر في قطاع غزة إلى الإعتماد على المساعدات الإجتماعية بشكل أكبر، إذ "يحتاج 80% من السكان عامة إلى المساعدات الدولية، بينما يعاني596.817 لاجئاً من الفقر المدقع"[4]، يبلغ معدل البطالة بين صفوف اللاجئين 45% [5]و"يفتقر 68% من اللاجئين إلى الأمن الغذائي".[6] ذلك في الوقت الذي يعاني فيه القطاع من نقص حاد في الخدمات الأساسية بما فيها الكهرباء، ومن تلوث 97%[7] من المياه النظيفة، ويفتقر إلى الرعاية الصحية الأدوية.
على خلاف مدن العالم، فإن قطاع غزة مغلق بالفعل من دون الإلتزام بتوجيه الحكومة أو منظمة الصحة العالمية، ويقع تحت حصارين. حصار إسرائيلي غير قانوني إستمر أكثر من 13 عاماً، وأنهكه على جميع المستويات الإجتماعية والإنسانية والإقتصادية، وجعله غير قادر على مواجهة أية مخاطر محتملة بل زاد من عواقبها، ليصبح منطقة هشة وضعيفة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة كما توقعت له الأمم المتحدة بأنه لن يكون آهلاً للحياة مع حلول عام 2020. أما الحصار الثاني فهو الحصار الذي فرضه إنتشار كوفيد 19 في العالم، والذي وضع السكان الفلسطينيين بشكل عام واللاجئين بشكل خاص تحت دائرة الخطر الشديد بسبب الضعف الحاد في القطاعات كافة، وأهمها القطاع الصحي الذي يعاني من نقص في التمويل، وشح الموارد والأجهزة ، وضعف تقديم الخدمات، والنقص في الأدوية والمستهلكات الطبية بعد سنوات طويلة من الحصار. إذ تقدر دائرة الصحة التابعة لحكومة الأمر الواقع في قطاع غزة الإحتياج السنوي للقطاع الصحي من الأدوية والمستهلكات الطبية ولوازم المختبرات بـ47 مليون دولار[8]. هذا بالإضافة إلى تلوث مياه الشرب، وإنقطاع الكهرباء لفترات طويلة ما يؤدي إلى عدم تشغيل المشافي وأجهزتها المختلفة، وغيرها من المعيقات الموجودة أصلاً قبل تفشي المرض، والتي حذرت منها منظمة الصحة العالمية عندما أكدت أن نظام الرعاية الصحية في غزة "على شفا الإنهيار". وفي المخيمات التي تعتبر منذ إنشائها تربة خضبة لجذب الأمراض والأوبئة، تصبح فرص إنتشار الوباء فيها أشد خطراً في ظل إكتظاظ السكان والأبنية والشوارع الضيقة، ونقص إمدادات الكهرباء، وأنظمة الصرف الصحي المنهارة، وعدم قدرة سكان المخيم للوصول إلى إمدادات كافية من المياه، هذا بالإضافة إلى الإمكانات المحدودة لدى "الأونروا" التي استهدفت قطاع غزة بنحو 76% من التمويل المطلوب لخطة الاستجابة الإنسانية لعام 2020.[9]
على الرغم من محدودية عدد الحالات في قطاع غزة (20 حالة)[10]، وعدم تفشيه حتى اليوم داخل القطاع، لا يزال إحتواء الفايروس يشكل قلقاً كبيراً، خاصة في ظل عدم معرفة حجم الأشخاص الذين تواصلوا مع المحجورين صحياً، وخروح أشخاص من الحجر الصحي دون خضوعهم للفحص، بالإضافة إلى عدم جود إختبارات كافية والنقص الذي تواجهه المستشفيات في الموظفين المختصين في وحدات العناية المركزة علماً أن "جميع العمليات الجراحية غير الطارئة تم تعليقها، واقتصرت الرعاية الصحة اليوم على 14 مركزاً يقدم الخدمات الأساسية فقط"[11]. أما على الصعيد الإقتصادي، فقد عجّل كوفيد 19 في زيادة إنكماش الإقتصاد المتدهور بالأصل في القطاع بسبب الحصار الإسرائيلي، ومن المقدّر أن تؤثر أزمة الوباء وإستمرار الفجوة التمويلية لدى وكالة الغوث على النشاط الإقتصادي وتقديم الخدمات، وسوف تزيد من العواقب الإجتماعية والاقتصادية بسبب إنخفاض عائدات التجارة والتحويلات، وإرتفاع نسبة البطالة التي وصلت مع نهاية 2019 إلى 45%[12]، وكذلك نسبة الفقر التي وصلت إلى 47%[13] الأمر الذي سيزيد من الضغط المالي الكبير الذي تعانيه بالفعل الأسر الفقيرة، وسيكون له تداعيات سلبية على الصحة النفسية والإجتماعية المتفاقمة قبل تفشي الفايروس مما يؤشر بشدة لإحتمالات وقوع إضطرابات متجددة. في الوقت الذي تتخذ به دول العالم إجراءات وتدابير الحماية الواجبة من تفشي فايروس كوفيد 19، يبقى الفلسطينيون بما فيهم اللاجئون عرضة للفايروس وللمزيد من الخروقات المنافية لقواعد القانون الدولي التي تؤثر بشكل مباشر على حقوقهم الإنسانية والإجتماعية والبيئية والصحية وفي العمل والتعليم والأمن الغذائي وغيرها. نورد هنا أبرز هذه الانتهاكات قبل وأثناء إنتشار كوفيد 19 في قطاع غزة.
يعيش أبو سالم في مخيم جباليا[15]، وهو أب لأربعة أطفال يدرس ثلاثة منهم في مدارس "الأونروا"، يقول: "أعيش في المخيم منذ أن ولدت بعد لجوء والديّ إليه من بيت طيما، كان هذا المخيم عبارة عن خيم في البداية، ثم شُيد بناؤه بالقرميد، ثم الأسبست، حتى أصبح بالأسمنت. اليوم هو عبارة عن عشوائيات، حيث يفصل بين البيتين 20 سم، وتتوسطه أزقة ضيقة جداً أوسعها في أفضل الأحوال يبلغ عرضها 80 سم إلى متر، ولذلك لا تدخل الشمس أو الهواء إلى معظم بيوت اللاجئين بسبب إلتصاقها وبنائها للطوابق العلوية بشكل عامودي مقابل بعضها البعض". ويضيف: "يستحيل الحفاظ على نظافة المخيم، حيث يكاد لا يوجد مياه لغسل اليدين أو للإستخدامات الأخرى. ومن أجل الحفاظ على النظافة نحن بحاجة إلى وجود دائم للمياه في الخزانات، ونحتاج إلى شراء مضخات كهربائية "موتور" من أجل ضخها، وتشغيل الموتور يحتاج إلى كهرباء، ولا يوجد كهرباء إلا بشكل متقطع. هذا عدا عن أن المياه ليست صالحة للإستهلاك الآدمي، فهي ملوثة، ولذلك يقوم أهل المخيم بشراء مياه نظيفة على حسابهم الشخصي للشرب فقط والبقاء على قيد الحياة. أما بالنسبة للتباعد الإجتماعي فهو مستحيل أيضاً في هذه البقعة السكانية المكدسة بالبشر".
ويتساءل أبو سليم: "حتى لو إلتزمنا بشراء الكمامات والمعقمات والقفازات على حسابنا الشخصي، كيف يمكن تفادي العدوى عندما يمر عشرات اللاجئين في زقاق عرضه 80 سم، أو يتواجدون في دكان صغير أو في المخبز، إنه تكدس هائل لا يمكن علاجه بسهولةـ فهذه الأوضاع السيئة عمرها عشرات السنين، ولا يوجد مساحات للحركة أو أماكن للعب الأطفال(..) هذه الإشكاليات جميعها لا يمكن حلّها فقط بمساعدات إنسانية أو إرشادات صحية هنا أو هناك". وعن الظروف الإقتصادية الصعبة التي يواجهها اللاجئون في المخيم، وخدمات الأونروا خاصة في هذا الوضع يردف: "نحن بحاجة أيضاً لشراء المعقمات والمطهرات، ولكن بين شراء المعقم وشراء الغذاء، فإننا جميعاً نشتري ربطة الخبز لأبنائنا ونؤمن الغذاء أولاً، ولم أرَ من هو قادر من اللاجئين على شراء المعقمات كما يجب، أما الأونروا فإني أذكر في طفولتي كيف كانت تزودنا بالمعونات من ملبس ومواد غذائية كالطحين والرز والزيت والسمنة ومعلبات السردين والتونا والكوبونات غيرها، ولطالما عبّرتُ عن ذلك بالقول إن هذه المواد التي توزعها الأونروا هي من أجل النجاة والبقاء على قيد الحياة وليس من أجل الحياة نفسها. لا تقدم اليوم الأونروا ما هو مطلوب منها باعتبارها المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين حتى عودتهم إلى ديارهم، فقد قاموا بإغلاق المدارس التزاماً بقرار الحكومة الفلسطينية، ويقومون بإستقبال حالات قليلة في العيادة الصحية، ويقدمون لها علاجاً أولياً، ولا أرى لها دوراً جوهرياً كما يجب لمحاولة إنقاذ الظرف الراهن في حال إنتشر الفايروس بين أوساط اللاجئين، مع ذلك فإني قلق جداً من استهدافها من قبل الولايات المتحدة لأن عدم تمويلها يعني عدم الإهتمام بالقضية الفلسطينية وحلها، فتقليص الخدمات الصحية وغيرها مؤشر لتصفية خدمات الأونروا جميعها".
لدى أبو سليم نشاط مفرط في الغدة الدرقية، وحاول لأكثر من أربع سنوات السفر من أجل العلاج في مشافي القدس والضفة الغربية، ولم تسمح له سلطات الإحتلال بالخروج من القطاع شأنه شأن الآلاف من أبناء شعبنا المرضى بأمراض مزمنة أخرى. يضيف في هذا السياق: "لا يتوفر الدواء الذي أحتاجه في عيادة الأونروا، كما لا أستطيع تحمل تكاليفه في كل مرة، وهكذا يحصل مع اللاجئين المرضى الآخرين. حاولت السفر عبر معبر إيريز إلى الضفة الغربية من أجل العلاج، وكان يرفض الإحتلال منحي تصريحاً في كل مرة أقدم بها".
وطالب أبو سليم أن يعود إلى أرضه وبلده الأصلية، محذراَ أن التعامل مع اللاجئين باعتبارهم أي شيء آخر ما عدا البشر يدفعهم إلى الإحباط، وقال: "أريد العودة إلى أرضي، أريد أن يرفع الحصار الظالم عن قطاع غزة وفقاً للأصول القانونية، أريد السفر إلى الخارج من أجل العلاج، نريد توفير فرص عمل للاجئين، لا نريد مؤن ولا بقج ولا مساعدات، نريد العمل والعيش بكرامة". وأخيراً، طالب أبو سليم الأونروا بعدم تسريح وفصل الموظفين والتوظيف بعقود مؤقتة، وتوسيع وزيادة عملياتها في المخيمات والتركيز على الحالة الطارئة التي تمر بها اليوم مع خطر تفشي كوفيد 19، وختم قائلا: "انتشار كوفيد 19 في المخيمات سيؤدي إلى كارثة جديدة محققة بحق اللاجئين".
مع مواصلة سلطة الإحتلال لإنتهاكاتها الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وأهمها سياسات الضم والتهويد، وعمليات التطهير العرقي، وتكثيف المشروع الإستيطاني الإستعماري، ومصادرة الأرض والتهجير القسري والاعتقال وغيرها، نال اللاجئون نصيباً وافراً من هذه الإنتهاكات التي تخرق القانون الدولي الإنساني وخاصة إتفاقية جنيف الرابعة.
يعيش في الضفة الغربية والقدس المحتلة "853.818 لاجئاً فلسطينياً مسجلاً لدى "الأونروا"، يقيم حوالي 30% منهم في 19 مخيماً رسمياً بينما يقيم 10% منهم في المناطق المسماة (ج)، ويعيش معظم الآخرين في المدن والقرى. يفتقر أكثر من 60% من اللاجئين في التجمعات البدوية الفلسطينية إلى الأمن الغذائي، ولذلك تقوم وكالة "الأونروا" بتزويد 37.000 شخص منهم بمساعدات طارئة، كما تقدم مساعدات نقدية إلى 3.573 أسرة تعيش في فقر مدقع، وإلى 25.330 لاجئ داخل المخيمات وخارجها. علماً أن أكثر من 65.610 لاجئين في الضفة الغربية يعيشون على 1.79 دولار في اليوم، حيث يعاني 16% من اللاجئين من الفقر المدقع، ويبلغ معدل البطالة بينهم داخل المخيمات 20%"[16].
لدى إعلان حالة الطوارئ في دولة فلسطين بسبب إنتشار كوفيد 19، اتخذت الحكومة الفلسطينية إجراءات مشددة وتدابير إحترازية لإحتواء ومنع تفشي الفايروس من أجل ضمان حماية المواطنين الفلسطينيين وصحتهم على حساب أية إعتبارات أخرى. ورغم أن شعبنا يواجه تحديات مضاعفة في ظل إقتصاد هش في الأصل بسبب إجراءات الإحتلال الإسرائيلي، إلا أن هذا الوباء سيترك تداعيات اقتصادية واجتماعية على شعبنا أكثر شدة من شعوب أخرى. قدرت الحكومة الفلسطينية قيمة "الخسائر الإجمالية للإقتصاد الفلسطيني بـ3.8 مليار دولار، وتضرر مختلف القطاعات، وارتفاع عجز الموازنة إلى 3.2 مليار دولار"[17]. في هذه الأثناء، أصيب "547 شخصاً في الضفة الغربية والقدس المحتلة، من بينهم 3 من مخيم طولكرم و 2 من مخيم قلنديا، و10 من مخيم شعفاط، وحالة واحدة من مخيم الدهيشة، وحالة واحدة من مخيم بلاطة"[18].
وفي القدس على وجه الخصوص، تعاني المدينة وسكانها من إهمال متعمد من قبل حكومة الإحتلال وبلديتها لعدم إتخاذها الإجراءات المطلوبة لمنع تفشي المرض في المدينة، وعدم تعقيم الشوارع، ومنع الفلسطينيين من القيام بذلك وإعتقالهم، وعدم فحص الأشخاص الذين قد تظهر عليهم أعراض المرض أو المخالطين لهم، في محاولة بائسة منها إلى ممارسة الضغط على المواطنين الفلسطينيين وإجبارهم على ترك المدينة. وهذا ينطبق على مخيمات القدس وواقع اللاجئين الفلسطينيين الموزعين في القدس الشرقية الذين يُقدّر عددهم بين 120 الى 140 ألف لاجئ من ضمن 360 ألف مقدسي يقطن داخل حدود البلدية، من ضمنهم 110 آلاف يتلقون الخدمات من مؤسسات وكالة "الأونروا"[19]. يعيش داخل "حدود البلدية" وحدها 59،000 لاجئ فلسطيني تمارس عليهم إسرائيل سيطرة مباشرة -بما في ذلك شعفاط-[20]، ويعتمد عدد كبير منهم على "الأونروا" في توفير الخدمات الأساسية، وخاصة المدارس والعيادات الصحية والأشخاص الذين يتلقون المساعدة لإبقائهم فوق خط الفقر، بالإضافة إلى المستفيدين من خدمات الصرف الصحي.
يعيش الشيخ في مخيم شعفاط، ولديه 13 ابناً وابنة، يقول: "في عام 1948 هجّر والداي إلى القدس، حارة الشرفة، وفي عام 1967 انتقلنا أنا واخوتي التسع ووالدي وأمي إلى المخيم لنعيش فيه حتى هذا اليوم. تم تخصيص منزل لكل أسرة مساحته 3 في 3 متر، وكان يوجد 501 منزل في ذلك الوقت، كان لكل 25 منزلاً حمام واحد، وصنبور مياه واحد، أذكر أني كنت أذهب للإستحمام تحته".
منذ أن تولى ترامب السلطة في عام 2017 ونحن نعاني من تصاعد الإنتهاكات الإسرائيلية سواء ضد المدينة المقدسة أو المخيم، حيث أصيب 19 شاباً صغيراً في عيونهم من قبل قوات الاحتلال، وتم هدم نحو 32 منزلاً داخل المخيم، وقبل أسبوعين قاموا بهدم منزل عمر لطفي حيث خيّرته سلطات الإحتلال بين أن يهدم بيته بنفسه أو يدفع 400 ألف شيكل وتهدمه له سلطة الاحتلال، وهكذا حصل مع عائلات حوشيه وعلقم. وتقوم سلطة الإحتلال على صعيد يومي بإقتحام المخيم، وإعتقال الأطفال، وضرب الغاز المسيل للدموع، ورش المياه العادمة في المخيم، وتحاصرنا بجدار الضم والمستوطنات، والحاجز العسكري الذي يحول حياتنا إلى جحيم".
ويتابع: "في ظل غياب كامل لخدمات بلدية الإحتلال، وعدم متابعة الأونروا لخدماتها، تقوم اللجنة الشعبية في المخيم بالتعاون مع اللجنة الصحية بإصدار التوجيهات لسكان المخيم بالحجر والحد من الحركة، وتقوم بتعقيم المناطق والمقرات والشوارع والمؤسسات عن طريق تقسيم المخيم إلى 15 شعبة، واتخاذ إجراءات لتأهيل مراكز حجر لمن خالط المصابين. كل ذلك يجري بالتنسيق والعمل المتواصل مع دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية التي تعمل معنا ساعة بساعة من أجل تخطي هذه الظروف الصعبة وتقوم بدعمنا بالمعقمات والطرود الغذائية وغيرها".
ويؤكد الشيخ أن "التباعد الإجتماعي يستحيل تنفيذه في ظل وجود حوالي 90 ألف نسمة في بقعة أرض تقوم على 203 دونمات فقط، في الوقت الذي لا يزودنا أحد بالمياه". وحمل الشيخ الإحتلال مسؤولية تفشي كوفيد 19 في المخيم قائلاً: "إن مسؤولية سلطة الإحتلال تقضي بالإشراف على سكان المخيم وصحتهم، سيما وأنهم يدفعون لصندوق المرضى الإسرائيلي 350 شيكل شهرياً". وطالب الشيخ المجتمع الدولي وخاصة الأمم المتحدة والدول العربية بإعادته وإعادة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم الأصلية، وختم: "لا نحتاج للطرود ولا المساعدات، نريد العودة إلى الديار، انتظرنا طويلاً في منازل المخيم المظلمة، أبناؤنا شهداء وأسرى، والمخيمات تبدو كالعلب المكدسة فوق بعضها البعض، شعب فلسطين شعب ينضح بالكرامة، ولاجئوه في لبنان وسورية والأردن وغزة والقدس لا زالوا ينتظرون العودة".
منذ إندلاع الأزمة في سورية في آذار 2011، تعرض الفلسطينيون اللاجئون وخاصة المقيمون في المخيمات إلى حالة من التشرد والتهجير المتواصل وواسع النطاق بسبب تدمير البنى التحتية، ووقوع الخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات، وتدهور الوضع الاقتصادي. فمن أصل 643.142 لاجئ فلسطيني كان يقطن في سورية، "تبقى حوالي 438.000، منهم 40% لا يزالون مهجرين داخلياً، نزح ثلث اللاجئين عن مناطقهم الأصلية مرة واحدة على الأقل منذ إندلاع الأزمة، وتعيش 91% من أسر اللاجئين في فقر مدقع، و126.000 لاجئ فلسطيني تم تحديده على أنه من الضعفاء للغاية"[28].
هذا الوضع الطارئ دفع بعشرات الآلاف من اللاجئين إلى ترك سورية والفرار طلباً للإستقرار. ومن حوالي "27.700 منهم توجهوا إلى لبنان طلباً للحماية والأمان، فإن 89% منهم يعيشون اليوم في فقر، و80% يعتمدون على مساعدات نقدية من الأونروا كمصدر دخلهم الرئيسي، بينما لا يمتلك 55% منهم مستندات قانونية صالحة". وأما الـ 17.343 لاجئاً ممن توجّه إلى الأردن فإن 100% منهم بحاجة الى مساعدة، و32% يفنقرون إلى الأمن الغذائي، و86% من هذه الأسر محمّلة بالديون"[29]. في كلا البلدين أدى تدهور أوضاعهم الإجتماعية والإقتصادية وإنعدام فرص العمل وإرتفاع تكاليف المعيشة إلى زيادة ضعفهم وتهميشهم. وبسبب أوضاعهم القانونية غير المحددة في هذه الدول، وعدم وجود آليات حماية بخلاف التي تقدمها الأونروا، فرّ "80.000 [30]لاجئ فلسطيني من سورية إلى أوروبا عبر قوارب الموت في أوضاع خطيرة، بينما فرّ 8000 إلى تركيا و7000 إلى مصر وقطاع غزة.