استخدمت إسرائيل سياسة الاعتقال والاحتجاز كوسيلة للسيطرة على أبناء شعبنا، ومعاقبة كل من يشترك في نشاطات سياسية تهدف إلى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. وتستغل إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، قضية الأسرى ضمن عملية ابتزاز متكاملة وممنهجة، وتتخذهم رهائناً لديها في محاولة رخيصة للنيل من إرادتهم وكرامتهم وكرامة شعبهم، منتهكة بذلك القيم والأعراف السياسية لحقوق الإنسان.
اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلية ما يقارب من 800.000 مواطناً فلسطينياً بموجب أوامر الاحتلال العسكرية منذ احتلالها عام 1967. ويشكل هذا العدد حوالي 20 % من مجمل تعداد سكان فلسطين المحتلة وحوالي 40% من الذكور من أبناء شعبنا. كما اعتقلت سلطات الاحتلال ما يربو على 13.000 مواطناً فلسطينياً بين عاميّ 1993 و2001 (وذلك على مدار السنوات التي شهدت انطلاق "عملية السلام" في أوسلو). إضافة إلى ذلك، اعتقلت قوات الاحتلال 50.000 مواطناً في الفترة الممتدة بين اندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول عام 2000 حتى يومنا هذا. كما اعتقلت سلطات الاحتلال منذ شهر كانون أول 2015 ما يقارب 6000 من الأسرى الفلسطينيين والعرب المحتجزين في سجونها.
وتستهدف قوة الاحتلال أبناء شعبنا الفلسطيني ممن يشاركون في احتجاجات سلمية ضد مصادرة أراضيهم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي ليصبحون عرضة للاعتقال والأسر. وتتهم العدد الأكبر من السجناء السياسيين الفلسطينيين بارتكاب مخالفات بموجب أوامر عسكرية إسرائيلية تستخدم تعريفًا واسعًا وفضفاضًا لمصطاح "الأمن" والذي يتضمن من جملة أمور أخرى حظرًا على التعبير السياسي. على سبيل المثال، يحظر الأمر العسكري رقم 101 "المسيرات الاحتجاجية والتجمعات (عشرة أشخاص أو أكثر إذا كان الأمر يرتبط بشأن سياسي) دون الحصول على تصريح بذلك من القائد العسكري". كما يحظر الأمر توزيع المواد والصور السياسية التي تحتوي على "دلالات سياسية". وعلى نحو مماثل، يعتبر الأمر العسكري رقم 938 أن "دعم المنظمات المعادية عن طريق رفع علم أو الاستماع لأناشيد وطنية" هو بحد ذاته "عملأ عدائياً". ويعتبر الأمران العسكريان رقم 101 و938 جزءاً أ من العديد من الأوامر التي تقيّد الحياة السياسية الفلسطينية في فلسطين المحتلة.
ونظرًا لاتساع نطاق التعريف الإسرائيلي لمصطلح "الأمن"، يمكن للسلطات العسكرية الإسرائيلية اعتقال الفلسطينيين وزجهم في السجون لقيامهم بـأي شكل من اشكال النشاط العام بغض النظر عمّا إذا كان ذلك النشاط يشكل ما يسمّى "تهديدًا أمنيًا" أم لا. أمّا الآثار العملية المترتبة على المخالفات وفقًا للتعابير الإسرائيلية الواسعة والفضفاضة فتشمل تجريم العديد من جوانب الحياة المدنية الفلسطينية. مثلاً، ما تزال إسرائيل تعتبر الأحزاب السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية على أنها "منظمات غير شرعية" على الرغم من دخول إسرائيل في مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1993 وتنسيق المسائل الأمنية مع السلطة الوطنية الفلسطينية. وبموجب اللوائح الإسرائيلية يعتبر رفع العلم الفلسطيني جريمة يعاقب عليها القانون، كما تعتبر المشاركة في المظاهرات والمسيرات إخلالا بالنظام العام. ويمكن النظر إلى عملية تقديم فنجان من القهوة إلى عضو من أعضاء منظمة "غير قانونية" على أنها شكل من أشكال الدعم لمنظمة إرهابية.
يعيش المعتقلون السياسيون الفلسطينيون والعرب في سجون الاحتلال في أحوال معيشية مزرية تتنافى و المعايير المقبولة دوليًا بما في ذلك القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان وقواعد الأمم المتحدة النموذجية الدولية لمعاملة السجناء. ومن أمثلة المعاملة المهينة التي يتعرض لها المعتقلون الفلسطينيون والعرب الإساءة الجسدية واللفظية والحرمان من الزيارات العائلية وتقليصها، وحظر التواصل الجسدي أثناء الزيارات العائلية، والتقليل من الساعات المسموح بها خارج السجن للترفيه، وحظر الزيارات بين المعتقلين أنفسهم، والزيادة في استخدام العزل الانفرادي، وفرض القيود المشددة على الحصول على الحاجيات من الخارج والتواصل مع العالم الخارجي.
لم تنفك قوة الاحتلال عن احتجاز رفات الشهداء من أبناء شعبنا، ورفض إعادتها إلى عائلاتهم لدفنها بصورة تحفظ كرامتهم. ولا تزال سلطات الاحتلال تحتجز رفات عدد كبير من شهدائنا في مواقع تسميها بـ "مقابر الأرقام". وفي الوقت الذي لا يُعرف فيه عدد الشهداء المحتجزة رفاتهم، فإن المنظمات الفلسطينية المعنية تقدّر عددهم بالمئات. وقد قامت هذه المنظمات حتى الآن بتوثيق 302 حالة بناءً على المعلومات الأولية التي حصلت عليها بطريقة مباشرة من أسرهم في فلسطين المحتلة.
قامت منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والإسرائيلية والدولية بتوثيق تحايل منظومة المحاكم العسكرية الإسرائيلية في تقديم الحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة لأبناء شعبنا. وتشمل بعض إجراءات منظومة المحاكم العسكرية الإسرائيلية ما يلي:
يُحال المعتقلون السياسيون الفلسطينيون إلى المحاكمة أمام هيئات قضائية عسكرية إسرائيلية تتألف من قضاة ووكلاء نيابة ومترجمين يعيّنهم ما يسمى بـ "القائد العسكري الإسرائيلي" – وهو نفس الشخص المخوّل لإجراء التغييرات على الأوامر العسكرية الصادرة. علاوة على ذلك، يفتقر القضاة الذين يعيّنهم القائد العسكري إلى التدريب القانوني، ونتيجة لذلك لا تلبي هذه الهيئات القضائية المعايير التي تنص عليها المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي تعطي الحق لكل شخص أن تكون قضيته "محل نظر منصف وعلني أمام محكمة مختصة مستقلة وحيادية منشأة بحسب القانون".
لا تمنح السلطات الإسرائيلية المحامين الوسائل الضرورية لإعداد دفاعهم. فوفقًا لمؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، يحتاج المحامي من 30 إلى 45 يومًا قبل أن يتمكن من مقابلة موكله بسبب سلسلة من العقبات البيروقراطية التي تضعها سلطات الاحتلال العسكرية. بالإضافة إلى ذلك، يتم تفتيش المحامين قبل دخولهم إلى السجن ومقابلة موكليهم، وفي أغلب الأحيان يقوم حرّاس السجن بمراقبة المقابلة مما يُجحف في حق محامي الدفاع وموكله في إجراء مقابلة شخصية سرية.
يتعرض المعتقلون الفلسطينيون في كثير من الأحيان للتعذيب وللمعاملة السيئة والمهينة اثناء استجوابهم والتحقيق معهم وأثناء توقيفهم. لذلك يُنقص استخدام التعذيب بالتزامن مع انعدام إمكانية الوصول الفوري إلى محامي الدفاع من صحة الاعترافات التي يتم انتزاعها أثناء التحقيق.
يمكن توقيف الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية لمدة 90 يومًا دون توجيه التهمة لهم، ويمكن لسلطات الاحتلال تمديد هذه المدة إلى 90 يومًا إضافية.
لا يمكن الاستئناف أو الطعن في الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية في محاكم أخرى خارج منظومة محاكم الاحتلال العسكرية. ومع العلم أن كافة الأطراف ضمن منظومة المحاكم العسكرية تخضع لقيادة واحدة، ولها ولاءات مؤسساتية مشتركة ومصالح مشتركة، إلا أنه قليلاً ما تسمح عملية مراجعة المحاكم الإسرائيلية باللجوء إلى محاكم أخرى في أفضل الأحوال. ولهذا السبب لا يمكن للفلسطينيين المدانين بارتكاب "مخالفات أمنية" من استئناف أحكامهم بفعالية، وبالتالي فإنهم يُحرمون من الحق الذي يضمنه لهم العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ألا وهو حق "كل شخص أدين بجريمة في اللجوء إلى محكمة أعلى وفقًا للقانون كي تعيد النظر في قرار إدانته وفي العقاب الذي حُكم عليه".
يُستخدم مصطلح "الاعتقال الإداري" للدلالة على توقيف الأفراد لأغراض وقائية، والاعتقال الإداري هو إجراء يتيح المجال أمام سلطات الاحتلال الإسرائيلية بتوقيف الفلسطينيين لأجل غير مسمى بناء على "معلومات سرية" دون توجيه التهمة لهم أو مثولهم أمام المحكمة. وفي الضفة الغربية المحتلة يملك جيش الاحتلال الإسرائيلي السلطة لإصدار أوامر الاعتقال الإداري بحق المدنيين الفلسطينيين بموجب الأمر العسكري رقم 1651 (المادة 285). تعطي أحكام هذه المادة السلطة للقادة العسكريين الإسرائيليين لاعتقال الفلسطينيين لمدة 6 شهور قابلة للتجديد في حال وجود سبب "معقول للاعتقاد أن هنالك ظروف تتعلق بأمن المنطقة أو بسلامة الجمهور تلزم احتجاز شخص معين بالاعتقال".
على سلطات الاحتلال الإسرائيلية أن تلتزم بموجب إتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل بالامتناع عن اعتقال الأطفال إلا كإجراء أخير ولأقل مدة زمنية ممكنة. ومع ذلك، اعتقلت سلطات الاحتلال العسكرية وأوقفت ما يزيد على 8,000 طفلا فلسطينيًا في الفترة بين أيلول 2000 وكانون أول 2014. واليوم ما يزال يقبع حوالي 425 طفلا فلسطينيًا داخل السجون الإسرائيلية لا تزيد أعمار بعضهم عن 12 أو 13 عامًا. وأفاد جميع الأطفال المعتقلين تقريبًا أنهم تعرضوا لشكل من أشكال التعذيب والمعاملة السيئة والمهينة سواء التعذيب الجسدي (مثل الضرب أو وضعهم في أوضاع جسدية مؤلمة) أو التعذيب النفسي (مثل الإساءة والتهديد والترهيب). ويقبع الأطفال بشكل روتيني في مراكز التوقيف تحت ظروف سيئة للغاية، وفي هذه المراكز التي لا تتعدى مساحتها 5 أمتار مربعة تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلية بإيداع ما يزيد عن 11 طفلا يعانون من أوضاع صعبة واكتظاظ شديد، وتجمعهم مع الأسرى البالغين منتهكة بذلك إتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل.
ما تزال إسرائيل تمارس سياسة الاعتقال الجماعي ضد الأطفال القاصرين من أبناء شعبنا الفلسطيني الذين تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 13 سنة، حيث تقوم سلطات الاحتلال باعتقال الأطفال ضمن منظومة "العدالة" العسكرية المشوهة والشاذة والتي تحكم بالسجن على 99.9 بالمائة من الأطفال المعتقلين.
"لفت بعض الشهود أيضاً انتباه اللجنة الخاصة بالظروف المروعة التي يعيشها الأسرى القاصرون في السجون الإسرائيلية واختلاطهم مع الأسرى البالغين من الذكور وأحيانًا من النساء، حيث اعتقلت السلطات العسكرية الإسرائيلية أؤلئك القاصرين بنفس الطريقة التي تعتقل بها عادة الأسرى البالغين، في جنح الليل، واقتادتهم إلى معسكرات الجيش واعتدت عليهم بالضرب المبرح. وقد تمّ التحقيق مع القاصرين دون وجود أقاربهم ومُنعوا من الالتقاء بمحاميهم لمدة 60 يومًا. وقد تعرضوا لتهديدات مختلفة مثل التهديد بتدمير منازلهم والسجن مدى الحياة وقطع الرأس والاغتصاب.
وبحسب ما ورد في بعض التقارير، أمضى أحد القاصرين مدة 60 يومًا في العزل الانفرادي. ويتم عادة زج ثلاثة قاصرين في زنزانة واحدة يفترشون الأرض ويعانون من انتشار الصراصير والحشرات، ومن ظروف صحية غاية في السوء بسبب نقص المياه. وعند نقلهم إلى المحكمة أو إلى أي معتقل آخر يتعرض القاصرون إلى معاملة سيئة. وبخلاف المعتقلين الإسرائيليين، لا يحصل المعتقلون القاصرون الفلسطينيون على أية برامج للتأهيل أو للترفيه".
لا توجد قضية تسلط الضوء على إنكار إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، لحرية الفلسطينيين وحرمانهم منها لما يقارب نصف قرن مثل قضية الأسرى. فقد تعرض أبناء الشعب الفلسطيني إلى واحدة من أعلى معدلات الأسر في العالم. ومن بين 3.9 مليون فلسطيني يعيش في الضفة الغربية وقطاع غزة، هنالك عدد قليل فقط لم يتأثروا من الأسر في سجون الاحتلال – وذلك إمّا عن طريق اعتقالهم أنفسهم أو اعتقال أحد أفراد عائلتهم أو صديق أو زميل لهم. ويشكل هذا الرقم ما نسبته 40 بالمائة تقريبًا من مجمل عدد السكان الفلسطينيين في دولة فلسطين المحتلة وحوالي 40 بالمائة من المجموع الكلي للسكان الذكور. كما يشمل الرقم ما يقارب على 10,000 أمرأة تمّ اعتقالهن منذ عام 1967 و8,000 طفلا أعتقلوا منذ عام 2000.
إن قضية الأسرى الفلسطينيين، وما تشكله من أبعاد حقوقية وقضائية وإنسانية وسياسية، تتصدر البرنامج الوطني الفلسطيني وأولويات دولة فلسطين التي تعمل على مواصلة الحراك السياسي والقانوني والدبلوماسي في المحافل والمؤسسات الدولية، وتعمل على الاستفادة من الانضمام إلى اتفاقيات جنيف واتفاقية مناهضة التعذيب وميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية من أجل ملاحقة الاحتلال قانونياً وسياسياً ومساءلته على الانتهاكات التي يرتكبها بحق الأسرى.
إن الموقف الفلسطيني تجاه قضية الأسرى الفلسطينيين بسيط وواضح: ينبغي على إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين كافة من سجون الاحتلال دون شرط أو قيد ليس باعتباره جزءاً من إتفاق الوضع النهائي فحسب بل أيضًا كجزء من عملية التفاوض وإجراءات بناء الثقة بهدف دفع متطلبات السلام العادل والشامل.
تحوز قضية المعتقلين السياسيين الفلسطينيين على اهتمام الشعب الفلسطيني ودعمهم. ومن أجل تحقيق عملية سلام حقيقية ذات مغزى ينبغي العمل على إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين الذين اعتقلتهم السلطات العسكرية الإسرائيلية دون قيد أو شرط. وعند التوقيع على اتفاق الوضع الدائم يتوجب أيضًا إطلاق سراح بقية الأسرى السياسيين الفلسطينيين والعرب. وحتى ذلك الوقت ينبغي إدخال تحسينات جوهرية وضرورية على حياة الأسري السياسيين القابعين في السجون ومراكز اعتقال الاحتلال.
ويتوجب على قوة الاحتلال أن تنفذ التزماتها بموجب الاتفاقات الثنائية التي وقعّت عليها والقانون الدولي على حد سواء: