كتب محمود خلوف
تحتفل وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية/وفا يوم الأحد المقبل بالذكرى الـ44 لتأسيسها، مجتازة بذلك بنجاح باهر، محطات هامة، وأخرى صعبة مر فيها النضال الوطني بمختلف مراحله سواء في الشتات أو في الوطن.
وتأسست وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" في الخامس من حزيران/يونيو 1972م، بموجب قرار من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبدأت بثها من بيروت كصوت رسمي يمثل حركة المقاومة الفلسطينية، ويسهم في توحيد الرأي العام الفلسطيني.
ولم تأت فكرة إنشاء "وفا" من فراغ، إذ تعد الوكالة الوطنية مثل النشيد الوطني، ومن هنا تأتي أهمية "وفا" باعتبارها وكالة وطنية مدافعة عن الحق الفلسطيني، وكرمز من رموز السيادة الفلسطينية.
أصل التسمية:
وحملت الوكالة اسم "وفا" بعدما كان اختصار (واف) يرمز إلى وكالة الأنباء الفرنسية؛ ولأن التسمية تتفق والدور الوطني الذي تلعبه الوكالة.
وهدفت منظمة التحرير الفلسطينية من إنشاء الوكالة إلى إذاعة الأخبار الفلسطينية في مختلف أنحاء العالم من وجهة نظر الثورة الفلسطينية، وتوجيه هذه الأنباء بما تخدم الثورة الفلسطينية، وكذلك إذاعة الأخبار العربية والعالمية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وكذلك أخبار حركات التحرر العالمية.
كما سعت المنظمة من خلال إقامة "وفا" إلى نشر البيانات والقرارات الرسمية الصادرة عن قيادتها، والتعليق عليها، ومتابعة أخبار وتصريحات القيادات الوطنية، بحيث لا يعد أي من تصريحات القادة رسمياً إلا من خلال نشرة "وفا".
وأسندت مهام وكالة "وفا" في البداية إلى الروائي زياد عبد الفتاح الذي عُين مسؤولا عن الوكالة، بالإضافة إلى خليل الزبن الذي عُين نائبا له، ثم انضم إليهما عدد من الشباب الآخرين في حينه من طلبة الجامعات أو من كانوا مؤهلين نسبيا بحكم الخبرة، أو ممن عملوا في الثورة الفلسطينية ومن أبرزهم: وليد أبو جاموس (سليمان) محمد حمزة عواد(أبو الوفا)، ومحمود عيسى(أبو عيسى)، وعبد الحميد سالم(أبو الفتوح)، وعلي فياض.
وحظيت الوكالة في مختلف مراحل النضال الوطني، بإسناد من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وما عزز ذلك مهنية العاملين فيها وتعبيرهم بمهنية عن الحالة الفلسطينية وعن الموقف الرسمي لقيادة المنظمة.
وكان من أبرز الصعوبات التي واجهت عمل الوكالة الانشقاق داخل حركة فتح عام 1983م، وخروج قوات الثورة الفلسطينية من لبنان سنة 1982، حيث استطاعت رغم صعوبة الأحوال في حينه القيام بمهامها دون إشكاليات تذكر، مستفيدة من إرادة كادرها المتقدم الذي تدرب على أيدي كفاءات إعلامية كبيرة.
العودة إلى الوطن:
وسعت الوكالة منذ عودتها إلى أرض الوطن في الأول من تموز1994 إلى تدريب كوادرها في الداخل والخارج ليكونوا مؤهلين، بما يتناسب والتحديات القائمة وطبيعة الظروف الراهنة، ومرحلة البناء وإقامة لبنات الدولة الفلسطينية.
وتقدم الوكالة خدمة كبيرة للشعب الفلسطيني وقضيته؛ لأنها تزود الوكالات العربية والدولية، التي تربطها بها اتفاقيات تبادلية بالمعلومات الخاصة بالأحداث الجارية وبأسلوب يعبر عن إرادة البناء والنضال لتجسيد الاستقلال على أرض الواقع.
وحرص مجلس إدارة الوكالة منذ عودتها لفلسطين على نشر مراسلين صحفيين في مختلف الأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى أراضي عام 1948م، كما حرصت الوكالة على نشر مراسلين لها في دول عربية، وأجنبية مهمة من أبرزها: مصر، والأردن، وتونس، والبحرين، ولبنان، وسوريا، وفرنسا، والمغرب، وبروكسل، والولايات المتحدة، بالإضافة إلى اعتماد مراسل لها في مقر جامعة الدول العربية منذ العام 2003م.
انطلاق الموقع الإلكتروني للوكالة:
انطلق موقع وكالة "وفا" الإلكتروني على الإنترنت في الأول من تموز 1998م، واعتمد في مراحله الأولى على النشر بشكل صورة، (image) وفي عام 2000م، تحول قسم من الأخبار إلى نص يمكن قراءته كنص مكتوب وليس على شكل صورة، ومع بداية عام 2001 أصبحت أخبار الوكالة جميعها نصوصاً، ودخلت الصورة للموقع بشكل تدريجي، وخصوصاً في الأخبار الرسمية والخاصة بنشاطات الرئيس.
وتعرف "وفا" أنها من أوائل المؤسسات الصحفية الفلسطينية التي اعتمدت على البريد الإلكتروني في نشر الأخبار، وكانت البداية عام 1996م، وتمثل ذلك بإرسال الأخبار الكترونياً إلى الصحف اليومية، وإلى تلفزيون وإذاعة فلسطين.
ويتميز موقع وكالة "وفا" بأنه مفتوح، ومتاح للجميع دون اشتراك، حيث يقدم الأخبار والتقارير والصور والقصص الصحفية للجمهور والصحف دون مقابل.
تحدي ظروف بالغة الصعوبة:
إن وكالة "وفا" تخطت تداعيات انقلاب حركة حماس على الشرعية في 14 حزيران عام 2007م، بنجاح باهر فاق التوقعات، وفاجأ المليشيات المسلحة التي استولت في حينه على المقار الرسمية.
فقد عملت الوكالة وبمتابعة مباشرة من مديرها العام السابق المرحوم نمر خلوف على تحويل "الأرشيف" والمعلومات، والـ(Data) بوقت قياسي من مقرها الرئيس في مدينة غزة، إلى "سيرفر" تم شرائه بسرعة، ووضعه في مكتبها المتواضع والفقير من حيث الإمكانات والتجهيزات في رام الله.
وعقب التأكد من نقل البيانات اللازمة في حينه تم تعطيل "السيرفرات" الرئيسة في غزة بفعل فيروسات موجهة، ليتحقق هذا النجاح الباهر، وتواصل "وفا" عملها دون أي انقطاع، بفضل تعاون مؤسسة الرئاسة والحكومة الشرعية، وبعض الداعمين الخيرين.
واستفادت وكالة "وفا" من تجربة الانقلاب في غزة، وهذا عزز من قدرة كادرها على الصمود والعمل تحت عامل الضغط، وظهر هذا جليا في السبق والتمييز في تغطية الجرائم الإسرائيلية (المحرقة) عام 2008، وما تبعها من اقتحامات ومجازر مثل ما حصل من عدوان إسرائيلي دموي على قطاع غزة عامي 2012، و2014م.
وقد انعكست عملية التأهيل، والتدريب التي قامت بها الوكالة لكادرها التحريري، بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة، وهذا ظهر من خلال اتجاه العمل التحريري فيها إلى اللامركزية، وزيادة نسبة المواد المصورة، وتغطية القصص الإنسانية، والتوسع الأفقي في الوسائط المتعددة.
دعم القيادة لمسيرة الوكالة:
وقد قدم رئيس مجلس إدارة وكالة "وفا"، المشرف العام على الإعلام الرسمي أحمد عساف التهاني للشعب الفلسطيني وقيادته لمناسبة الاحتفال بذكرى تأسيس الوكالة، مشددا على أن "وفا" ستبقى على العهد والوفاء للشهداء وللرعيل الأول.
وقال: في الذكرى الـ44 لإقامة الوكالة، نستذكر صاحب الذكرى وصاحب القرار إنه الشهيد ياسر عرفات، وإخوانه القادة الأوائل والشهداء، كما نؤكد تقديرنا العالي لرعاية الرئيس محمود عباس للوكالة، وللإعلام الرسمي بشكل عام.
وأضاف عساف: جاء تأسيس "وفا" ليس بعيدا عن انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وهذا القرار الواعي يثبت اهتمام قيادة الثورة ومنظمة التحرير بالإعلام، وحرصها على نقل رسالة وطنية معبرة عن هموم وآمال شعبنا.
وأردف: في هذه المناسبة نستذكر المؤسسيين الأوائل وفي مقدمتهم أول رئيس لمجلس إدارة "وفا" الأستاذ زياد عبد الفتاح، كما نعبر عن امتنانا لجهود الكفاءات الإعلامية التي كانت لها بصمات واضحة في مسيرة الوكالة.
وتابع عساف: تطورت "وفا" وارتقت بفضل الشهداء والتضحيات، والإخلاص والعمل المتفاني والمنتمي، فالصحفي والإعلامي عمل في خندق واحد إلى جانب حملة السلاح، والقادة السياسيين.
وقال: تحظى "وفا" بدعم واهتمام كبيرين من قبل الرئيس محمود عباس، فهو يدعم بكل ما هو ممكن لتحقيق مزيد من القفزات والإنجازات النوعية في مسيرة الوكالة، لتكون دائما في المكانة المرموقة التي وصلت اليها.
علاقات "وفا" الخارجية:
وعبر عساف عن رضاه عن المكانة التي حققتها "وفا" محليا وإقليميا ودوليا، مذكرا بأنها تعد أعرق وكالة وطنية فلسطينية، ومن أهم وأقدم الوكالات العربية، إضافة إلى أنها تحظى بمصداقية كبيرة على الصعيد الدولي.
وتابع: هذه الثقة مكنت "وفا" من إبرام اتفاقيات تعاون وتبادل معلومات مع وكالات كثيرة في العالم، كما جعلها تمثل دولة فلسطين باقتدار في مختلف الاتحادات الإقليمية والعربية والدولية.
وأوضح أن اتفاقيات التبادل الإخباري تسهم بشكل كبير في توصيل رسالة شعبنا ومعاناته لعدد كبير من الوكالات العربية والدولية، ما مكنا من مخاطبة قاعدة عريضة من الرأي العام الدولي وفي جميع قارات العالم.
وقال عساف: هذه القفزات والإنجازات تتحقق كما أرادها المؤسسون الأوائل وكما تريدها القيادة الفلسطينية، وما يعزز من ثقة الوكالة مواكبتها للتطورات المتسارعة على صعيد تكنولوجيا الاتصال والمعلومات.
أفكار طموحة:
وحول خطط التطوير المستقبلية، قال رئيس مجلس إدارة وكالة "وفا": إننا نقف على أعتاب مرحلة انطلاقة جديدة للوكالة، ابتداء من استملاك أول مقر لها في أرض الوطن، وما كان هذا الإنجاز ليتحقق إلا بدعم الرئيس ورئيس الوزراء رامي الحمد الله، ووزارة المالية، وهذا الإنجاز سيفتح الآفاق لإمكانات متقدمة وللاتقاء بالعمل.
وتابع: أما على الصعيد الإداري فنحن بصدد إعادة هيكلة الوكالة على أساس وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وتعزيز مكانة الكفاءات بما يعود إيجابا على الوكالة ومستقبلها وعملها وخدماتها.
وأضاف: لدينا أفكار طموحة سننفذها مستقبلا لتبقى وكالة "وفا" في الريادة ومعبرة عن رسالة الشعب الفلسطيني، ومن هنا نحرص على تطوير الخدمات المقدمة في اللغات الأجنبية، وهذه الخطط منها ما تم تنفيذه فعلا، ومنها ما نعمل على جعله واقعا على الأرض ودون تأخير.
وتابع عساف: بموازاة هذا لدينا خطة لتفعيل صفحة الوكالة على مواقع التواصل الاجتماعي، كما يجري العمل على قدم وساق لزيادة نسبة الوسائط المتعددة، ونقل الخبر بالصوت والصورة وبتقنية عالية وبمستوى احترافي منافس، إضافة إلى التوسع في نسبة القصص الصحافية والمواد الاستقصائية، ونأمل بأن تحتفل "وفا" بذكرى تأسيسها العام المقبل، وقد حقق شعبنا تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف.