2024-04-19 الساعة: 22:29:47 (بتوقيت القدس الشريف)

"مركز الحوراني" في ورقة حقائق: الخان الأحمر الحلقة الاخيرة في تهويد القدس

 

 

الموقع والمساحة

 

يقع الخان الاحمر على الطريق الواصل ما بين القدس واريحا فيما يعرف بشارع رقم "1" ، ستة عشر كيلو متر جنوب شرق المدينة المقدسة بين مستوطنتي "معاليه ادوميم وكفار ادوميم" ، وهو واحداً من أربعة عشر تجمعاً بدوياً يقطنون المنطقة الممتدة من شرقي القدس حتى مشارف أريحا والبحر الميت، ويقطن هذه التجمعات نحو 2764 نسمة بحسب الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني معظمهم من عشيرتي الجهالين والكعابنه المهجرتين عام 1948 من منطقتي النقب  وبئر السبع، وقد سكنوا هذه المنطقة في بداية الخمسينات من القرن الماضي، ويتخذون من البركسات الحديدة والخيام ملاذاً للعيش في ظل ظروف مناخية وجغرافية صعبه ، مع أنعدام أدنى مقومات الحياة والخدمات الاساسية من مياه وكهرباء وصحه وتعليم ، وهم يعتمدون في معيشتهم على رعي الماشية بالاضافة الى منتجاتهم من الحليب، وتبلغ مساحتها الاجمالية نحو 16000 دونم ، وتشكل هذه التجمعات جزءاً أساسياً من بادية فلسطين التي تنتشر من طوباس شمالاً وحتى الخليل جنوباً ،  ويبلغ عددها الاجمالي  (46) تجمعاً بدوياً .

 

نشأة الخان الاحمر وأهميته

 

الخان الاحمر هو بناء عثماني أنشأ في القرن السادس عشر ، في منتصف المسافة الواصلة ما بين مدينتي أريحا والقدس، وكان يستخدم كمحطة للتجار من أجل الراحة والتزود بالماء والمؤن ، وأطعام الخيول والماشية، نظرأ لشدة الحرارة في هذه المنطقة خاصة في الصيف، واراضي الخان تتبع لبلدات العيزرية وابو ديس والسواحره وعناتا، وأطلق على هذا الخان الاحمر لأن طبيعة رمال المنطقة تميل إلى الحمرة، ويبلغ عدد سكان هذا التجمع نحو (180) نسمة، ويضم حوالي أربعون مسكناً ومنشأة ومدرسة بدائية تعرف "بمدرسة الاطارات" .

 فالخان الاحمر (وسط الضفة الغربية ) يعتبر البوابة الشرقية لمدينة القدس وكذلك البوابة الغربية للأغوار ، فهو حلقة وصل ما بين الضفتين وعقدة مواصلات رئيسية، ومن هنا تظهر أهمية الموقع الاستراتيجية والامنية بالنسبة لدولة الاحتلال الاسرائيلي ، والذي سعى الى فرض سيطرته الكامله على هذه المنطقة منذ أحتلاله للضفة عام 1967 ، لأدراكه الكامل أن معركة السيطرة على مدينة القدس يبدأ من هنا ، لذلك وضعت مشاريع تهويدية واستيطانية كبيرة في هذه المنطقة من اجل السيطرة على الارض وأفراغها من السكان الاصليين من جهة وعزل مدينة القدس عن محيطها العربي الفلسطيني من جهة اخرى .

 

المشاريع الاستيطانية للسيطرة على الخان الاحمر

 

بدأت أولى خطوات السيطرة على شرقي القدس والاغوار الفلسطينية منذ أحتلالها عام 1967 ، وذلك عندما طرح وزير العدل الاسرائيلي آنذاك " يغال ألون" مشروعه الاستيطاني للسيطرة على الاغوار الفلسطينية من خلال أنشاء شريط استيطاني على المنحدرات الشرقية لجبال الضفة الغربية وشريط آخر على طول نهر الاردن ، لتكون بذلك خط الدفاع الاول عن دولة اسرائيل من الجهة الشرقية ، ومن اجل ذلك اقيمت القواعد العسكرية ومحطات الانذار المبكر على قمم الجبال المطله على غور الاردن لتحقيق هذا الغرض، ولهذا الغرض أنشئت مستوطنة "معاليه أدوميم" عام 1975 تنفيذاً لهذا المشروع ، ملاصقة لتجمع الخان الاحمر شرقي القدس ، وتعتبر هذه المستوطنة بمثابة مدينة استيطانية ضخمة من حيث المساحة التي تصل لنحو (50) ألف دونم والسكان الذي يبلغ نحو(45) الف مستوطن، وهي أمتداد طبيعي على اراضي مدينة القدس من الناحية الشرقية ، وتسعى اسرائيل حاليا لأستكمال مشروعها بشكل نهائي من خلال تهجير جميع التجمعات البدوية من المنطقة وتجميعهم في منطقتي ابو ديس ، والنويعمه قرب اريحا ، بحجة تطوير حياتهم اليومية والتحول نحو الحضرية ، ومن خلال ذلك يستطيع الاحتلال الصهيوني حصر التمدد العمراني للبلدات العربية نحو الشرق مثل بلدات ابو ديس والعيزرية والعيسوية وعناتا ، وتحويلها الى معازل سكانية تكون خارج الحسابات الديموغرافية للمدينة المقدسة من خلال جدار الفصل العنصري الذي يكمل نصف الخطة الآخر، وبهذا يضمن الاحتلال تفوق العنصر البشري اليهودي داخل مدينة القدس باعتبارها عاصمة سياسية بأغلبية يهودية ، واقتصادياً في أنتظار أكتمال المخططات الاستيطانية في المنطقة .

 

في عام 1971 طرح على الكنيست مشروع القدس الكبرى ، والذي يهدف الى زيادة مساحة مدينة القدس الى نحو (600كم2)  أي 10% من مساحة الضفة الغربية، ، بهدف ان تكون مدينة القدس ذات أغلبية يهودية،  ويتخذ مشروع القدس الكبرى البعد الطولي من الغرب الى الشرق بحدود "45 كم"، وبعرض"20كم"، اي انه سيقسم الضفة الغربية شمالاً وجنوباً بشكل نهائي وهذا تم على ارض الواقع وهي مرحلة (الفصل) ، اما المرحلة الحالية والتي تشكل معركة الخان الاحمر محوراً رئيسيا فيها وهي مرحلة (الوصل) ما بين المستوطنات شرقي القدس  بأحياء المدينة من جهة وهو ما يعرف بمشروع"E1" والذي يهدف الى مصادرة المساحة المتبقية ما بين مستوطنة "معاليه ادوميم" وما بين احياء القدس الشرقية من جهة اخرى ، وذلك لبناء (4) آلاف وحدة استيطانية على مساحة تقدر ب (12) الف دونم، اما الهدف الثاني من عملية (الوصل) هو ربط الساحل الفلسطيني من  "تل أبيب" غرباً ، وحتى الاغوار والبحر الميت وجسر الملك عبد الله شرقاً  ، ومنها الى الاردن والعالم العربي بشكل مباشر ومتواصل ، عبر طريق القدس – اريحا ، وهذا سينعش الحركة الاقتصادية والتجارية والسياحية في مدينة القدس ، فهنا تصبح الاحياء اليهودية الجديدة حول مدينة القدس التي بنيت والتي ستبنى لاحقاً غير معزوله عن محيطها المحلي والدولي وستكون أيضا مركز جذب سياحي واستشثماري ضخم ، وهذا يقودنا الى الحلقة الاكبر من هذا المشروع المتدحرج والممنهج وهو ما يسمى مشروع (5800) لعام 2050 ، والذي سيقام في ذات المنطقة التي يقع من ضمنها الخان الاحمر وباقي التجمعات البدوية شرق القدس ، ويهدف المشروع الى اقامة مطار دولي كبير في منطقة وادي موسى، وربط المستوطنات شرقي القدس بغرب المدينة بواسطة شبكة من سكك الحديد والجسور وتوسيع شبكات الطرق لتكون قادرة على أستيعاب اعداد اكبر من المسافرين والسياح بالاضافة الى حركة شحن  خاصة الى الخارج،  واقامة مناطق صناعية جديدة وفنادق واسواق تجارية ، ومن المخطط له ان يعيش في هذه المدينة (5) ملايين شخص أغلبيتهم من اليهود ، وان يزورها نحو (12) مليون سائح سنوياً ، وان يتم انعاش السياحة الدينية للمدينة والسياحة العلاجية في منطقة البحر الميت ، وستوفر الخطة نحو (80) ألف فرصة عمل تحقيقاً لمبدأ " القدس هي قلب دولة أسرائيل والشعب اليهودي" ، ويسعى هذا المشروع الذي يعرف ب"5800" الى أظهار القدس كمدينة حضارية مزدهره للشعب اليهودي ، قادرة على ان تنافس أهم مدن العالم من الناحية السياحية والتجارية ، لتكون قبلة للمستثمرين واصحاب رؤوس الاموال .

 وهذا المشروع لا ينفصل عن "صفقة القرن" بل جاءت هذه الصفقة  لتؤكد ذلك من خلال أخراج القدس من معادلة الصراع ، وان يكون علاقة الفلسطيني بمدينته المقدسة في المواسم الدينية فقط ، مع ضمان حرية الوصول اليها للصلاة في اوقات محددة من السنة، على ان تخصص الفترات الصباحية للمستوطنين من أجل استباحة المسجد الاقصى ، وهذا يمهد الطريق نحو التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الاقصى كما هو الحاصل حاليا في المسجد الابراهيمي بمدينة الخليل .

 

السياسات الصهيونية نحو المنحدرات الشرقية

 

أن سياسات الاحتلال الصهيوني تجاه التجمعات البدوية التي يقع معظمها في المناطق المصنفه "ج"، والتي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية ، هي سياسات متنوعه ومتعدده الاساليب تجاه مناطق مختلفه من حيث المساحة وعدد السكان ، ولكن بنتيجة واحدة ، وهي افراغ هذه الاراضي من سكانها، وتمثل هذه التجمعات شوكة في حلق الاحتلال لأنها تقف حجر عثرة امام أكمال مشروعه التهويدي في المنطقة ، وفصل المجال الحيوي والطبيعي لأي دولة فلسطينية قد تنشأ في الاراضي التي احتلت عام 1967، وتتحول هذه الدولة فيما لو نشأت الى كنتونات ومعازل مقسمة الى شمال ووسط وجنوب غير متواصلة مع بعضها البعض ، ويقضي على اي فرصة للنمو والتطور الاقتصادي والتنمية المستدامة ، بالاضافة ان عاصمة هذه الدولة (القدس الشرقية) ستكون معزوله نهائيا عن محيطها الفلسطيني، والاسوء من ذلك أن اغلبية ساكنيها ستكون من اليهود ، ولتحقيق ذلك يسعى الاحتلال إلى أتباع سياسة النفس الطويل تجاه هذه المنطقة فهو يسير وفق خطة مدروسة وممنهجة ، بسبب المواقف الدولية المعارضة لهدم هذه التجمعات بما فيها الادارات الامريكية السابقة ، وقدم الاتحاد الاوروبي دعما لهذه التجمعات من خلال تقديم مشاريع تنموية تدعم صمود وبقاء السكان في اراضيهم  ، فهدم هذه التجمعات وتهجيرها قد يضر بصورة اسرائيل امام  العالم على انها دولة  "آبرتهايد" عنصرية لا تسعى الى احلال السلام في المنطقة ، وما ينطبق على الخان الاحمر قد يكون البوابة في حال نجاحها الى تهجير تجمعات آخرى صدر بها قرارات أزالة مثل قرية سوسيا قرب يطا وخربتي يرزه ومكحول في الاغوار الشمالية ، ويمارس الاحتلال ضد هذه التجمعات سياسات عنصرية ترمي من خلالها الى تهجير السكان طوعاً من خلال تضييق الخناق عليهم ، ومنها أغلاق المناطق الرعوية كون هذه التجمعات تعتمد على الرعي كحرفة اساسية لهم ، ومحاربتهم ايضا في الحصول على مصادر مياه دائمة، ومنع اقامة اي مشاريع للبنية التحتية من كهرباء وطرق ومياه ، وتقييد عمل مؤسسات السلطة الوطنية في هذه المناطق كونها مناطق خاضعه اداريا وامنيا للأحتلال، ومن الاساليب الاكثر عنصرية أغلاق مساحات شاسعه من هذه المناطق بدعوى انها مناطق محميات طبيعية أو مناطق عسكرية مغلقة ، في الوقت الذي تسمح به للمستوطنين باستخدام هذه الاراضي اما للبناء او الرعي او الزراعة، وادت هذه الاجراءات الى تناقص عدد السكان في التجمعات البدوية وذلك للبحث عن اماكن يستطيعون ممارسة حياتهم الطبيعية، بعيداً عن سياسات الاحتلال العنصرية ، ومن بقي في هذه المناطق مثل الخان الاحمر يتهددهم خطر هدم البيوت والمنشأت والترحيل النهائي بحجج لا تنتهي تحت مظلة قضاء صهيوني ظالم ، يشرعن هذه السياسات وفق مصالح الدولة الصهيونية، والتي تتعامل معها كأنها جزء من دولة الاحتلال ، وليس كأراضي محتله وفق القانون الدولي .

وقد دعا مجلس الامن الدولي التابع للامم المتحدة عام 2004 اسرائيل لوقف هدم المنازل الفلسطينية وفقاً لقرار رقم 1544، بالاضافة لما جاء في المواد 147 و53 و33 من اتفاقية جنيف الرابعة ، والمادة 50 من اتفاقية لاهاي ، والتي تحظر جميعها على دولة الاحتلال ان تدمر اي ممتلكات خاصة ثابتة او منقولة تتعلق بافراد او جماعات بدون وجود دواعي "حربية "، لكن اسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال تضرب بعرض الحائط قرارات الشرعية الدولية ، وهي ايضاً تخالف قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الانساني  .