2024-04-20 الساعة: 12:54:25 (بتوقيت القدس الشريف)

محطات هامة في تاريخ منظمة التحرير الفلسطينية

في العام 1945 ومنذ نشأة جامعة الدول العربية، تقرر أن يكون لفلسطين مندوب يمثلها على الرغم من كون فلسطين تحت الانتداب البريطاني آنذاك.

وقد ظلت فلسطين ممثلة في جامعة الدول العربية حتى بعد نكبة 1948، حيث تعاقب على تمثيلها في الجامعة موسى العلمي وأحمد حلمي عبد الباقي وأحمد الشقيري.

في مؤتمر القمة العربي الأول الذي انعقد في القاهرة بتاريخ 13/1/1964 واستجابة لدعوة الرئيس جمال عبد الناصر لمواجهة عزم "إسرائيل" تحويل نهر الأردن، تم إصدار قراراً يقضى بإنشاء كيان فلسطيني يعبر عن إرادة شعب فلسطين ويقيم هيئة تطالب بحقوقه لتمكينه من تحرير وطنه وتقرير مصيره، وكلف المؤتمر أحمد الشقيري ممثل فلسطين في جامعة الدول العربية الاتصال بأبناء فلسطين لهذه الغاية، وإبلاغ مؤتمر القمة بالنتيجة.

قام أحمد الشقيري بجولة زار خلالها الدول العربية واتصل بأبناء فلسطين فيها، وأثناء جولته، تم وضع مشروعا الميثاق والنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتقرر عقد مؤتمر فلسطيني عام، واختار الشقيري اللجان التحضيرية للمؤتمر في جميع البلاد العربية المضيفة للفلسطينيين.

وقد تفرعت عن المؤتمر تسع لجان، وخرج المؤتمر بالعديد من القرارات أهمها إعلان قيام منظمة التحرير الفلسطينية، حيث نص القرار على التالي:

"إيماناً بحق الشعب العربي الفلسطيني في وطنه المقدس فلسطين، وتأكيداً لحتمية معركة تحرير الجزء المغتصب منه، وعزمه وإصراره على إبراز كيانه الثوري الفعال وتعبئة طاقاته وإمكانياته وقواه المادية والعسكرية والروحية، وتحقيقاً لأمنية أصيلة من أماني الأمة العربية ممثلة في قرارات جامعة الدول العربية ومؤتمر القمة العربي الأول.

نعلن بعد الاتكال على الله باسم المؤتمر العربي الفلسطيني الأول المنعقد بمدينة القدس في 28/5/1964:

1. قيام منظمة التحرير الفلسطينية قيادة معبئة لقوى الشعب العربي الفلسطيني لخوض معركة التحرير، ودرعاً لحقوق شعب فلسطين وأمانيه، وطريقاً للنصر.

2. المصادقة على الميثاق القومي لمنظمة التحرير الفلسطينية وعدد بنوده 29 بنداً.

3. المصادقة على النظام الأساسي وعدد بنوده 31 بنداً واللائحة الداخلية للمجلس الوطني والصندوق القومي الفلسطيني.

4. انتخاب السيد أحمد الشقيري رئيساً للجنة التنفيذية وتكليفه باختيار أعضاء اللجنة التنفيذية وعددهم 15 عضواً.

5. يصبح المؤتمر بكامل أعضائه، الـ397 عضواً، "المجلس الوطني الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية".

مرت منظمة التحرير ومنذ تأسيسها بمراحل مفصلية هامة يكمن إيجازها بما يلي:

أولا: الكفاح المسلح:

بعد دخول المشروع الإسرائيلي لتحويل مياه نهر الأردن حيز التنفيذ في صيف 1964 حاول عرفات تسريع البدء في الكفاح الـمسلح. اتصل بالجزائريين، الذين وعدوه بتدريب مقاتليه، وبالصينيين، الذين أمدوه بالأسلحة. ثم اتجه نحو البعثيين السوريين، وفتحت دمشق أبوابها لعرفات و"فتح" لتصبح سوريا البلد الثاني الذي يستقبل مكتبا لـ"فتح" بعد الجزائر. وتصدرت مسألة التزود بالسلاح اهتمامات ياسر عرفات في هذه المرحلة. 

كما أقامت" فتح" سراً عدداً من وحدات تصنيع القنابل الصغيرة في الضفة الغربية. وفي نهاية آب 1964، اجتمع الـمجلس العسكري لـ "فتح" برئاسة عرفات للبحث في انطلاق العمل العسكري، ولم يتمكن عرفات آنذاك من إقناع الحاضرين بوجوب البدء بالكفاح الـمسلح بأسرع وقت ممكن.

ولكن في الاجتماع الذي  عقد في عمان لقادة حركة "فتح" في نفس الشهر"تشرين الثاني" تم الاتفاق على بدء الكفاح المسلح بأسرع وقت، وفي نهاية كلمته أمام الاجتماع أطلق ياسر عبارته الشهيرة "وإنها لثورة حتى النصر". وتم تحديد الساعة الحادية عشرة مساء يوم31 كانون الأول 1964 موعداً للعملية العسكرية الأولى "عملية عيلبون"، وكتب عرفات وخليل الوزير بلاغ العملية ووزعاه على صناديق بريد الصحف والمؤسسات الإعلامية والأحزاب في بيروت. وحمل البيان توقيع جهة غير معروفة حينها "العاصفة"، وهي الجناح المسلح لحركة التحرير الوطني الفلسطيني.

 

الانطلاقة:

وبعد ذلك اعتمدت الثورة الفلسطينية تاريخ الأول من كانون الثاني من كل عام للاحتفال بانطلاق الكفاح المسلح لتحرير فلسطين. وتواصلت العمليات الفدائية، وعندما ضغطت مشكلة تأمين الموارد المالية على "فتح"  قام ياسر عرفات بتصفية أعماله في الكويت للمساعدة في تمويل الحركة، وانتخب قائداً عسكرياً للحركة.

وتعززت علاقات تنظيم "فتح" خلال العامين 1965ـ1966 مع القيادة السورية، وعندما وقع انقلاب البعثيين في دمشق في شباط 1966 زادت متانة العلاقات بين السلطات السورية و" فتح"، وقدم حافظ الأسد الذي كان قائداً للقوات الجوية حينها دعماً عسكرياً كبيراً للحركة "تسليحاً وتدريباً"، وكذلك إعلامياً، حيث أصبحت إذاعة فلسطين من دمشق هي التي تبث بلاغات وبيانات العاصفة.

وتصاعدت وتيرة العمليات الفدائية في العام 1966 خاصة تلك التي تنطلق من أراضي الضفة الغربية والتي كانت خاضعة للسيادة الأردنية. ومع تحسن العلاقات بين مصر وسورية استفادت "فتح" من ذلك وأصبحت إذاعة القاهرة وإذاعة صوت العرب تبثان بلاغات "العاصفة" إضافة إلى إذاعة دمشق.

 

حرب حزيران 1967 (النكسة):

عند وقوع العدوان الإسرائيلي على الدول العربية في الخامس من حزيران 1967 عقد ياسر عرفات اجتماعاً للقيادة العسكرية الفلسطينية وتقرر فيه المشاركة في الحرب، وتوجهت وحدات من الفدائيين إلى هضبة الجولان.

وعندما أعلن جمال عبد الناصر الهزيمة والنكسة ومن ثم استقالته في اليوم السادس للحرب، لم تتأخر القيادة الفلسطينية آنذاك عن التحرك لمواجهة الوضع الجديد مع سقوط بقية فلسطين "الضفة الغربية وقطاع غزة " وسيناء والجولان تحت الاحتلال الإسرائيلي.

وقررت القيادة الفلسطينية بضغط من عرفات و"أبو جهاد" استئناف الكفاح المسلح عندما لم يعد هناك خيار آخر بعد فشل الجيوش النظامية في صد العدوان الإسرائيلي، وتقرر أيضاً نقل مقر قيادة الفدائيين إلى الأرض المحتلة.

وفعلاً دخل عرفات إلى الأرض المحتلة في تموز 1967 عبر نهر الأردن بهدف تقييم الأوضاع والإشراف على سير العمليات.

ونفذت العملية  الفدائية الأولى بعد الحرب يوم 31 آب 1967. واتجه عرفات أولاً مع ثلاثة ضباط نحو جنين وطوباس وقباطية، ثم توجه بعد ذلك إلى منطقة طولكرم. راح ينظم خلايا من الـمقاتلين في كل مكان يحل فيه، ويرسل أكثرهم براعة في دورة تدريبية مكثفة في سورية. وأنشأ مركز نشاطات لـ "فتح" في مدينة نابلس. ثم توجه إلى رام الله فبيت لحم، فالخليل وصولاً إلى يافا.

قرر عرفات مغادرة المنطقة بعد تزايد حملات الاعتقال وملاحقة قوات الاحتلال له. وتوجه إلى الأردن،  حيث أقامت "فتح" بعد حرب حزيران 1967 (7) قواعد عسكرية في منطقة الأغوار الملاصقة لنهر الأردن.

 

معركة الكرامة:

وفي 21 آذار 1968 حشدت إسرائيل قوات كبيرة  من الـمشاة والـمظليين والدبابات والطائرات. كانت الوجهة قرية الكرامة في الأردن مقر قيادة حركة "فتح"، بهدف القضاء على الفدائيين وتدمير معسكراتهم وبنيتهم التحتية بأي ثمن رداً على عملية إيلات التي أدت إلى مقتل طالبين إسرائيليين وجرح ثلاثين آخرين.

لـم يباغت الطرف الفلسطيني حينها بهذه العملية فقد ألقت طائرات إسرائيلية "مناشير" على قرية الكرامة تدعو الـمقاتلين إلى الاستسلام، وكان الفلسطينيون يرون على الجهة المقابلة من نهر الأردن القوات الإسرائيلية وهي تتهيأ للهجوم. ولكن القيادة الفلسطينية اتخذت قراراً بالصمود ومواجهة القوات الإسرائيلية  وقتالها بأقصى قوة.

شارك الطيران الإسرائيلي بكثافة في تلك العملية، وألقى 180 طناً من القنابل ونحو مئة صاروخ. أوقعت العملية 128 شهيداً وعشرات الجرحى في الجانب الفلسطيني، وانضمت وحدات من الجيش الأردني للقتال إلى جانب الفدائيين، وسقط 61 شهيداً ونحو مئة جريح من أفراد الجيش الأردني.

وفي الجانب الإسرائيلي، خسر الجيش طائرة، واضطر إلى ترك أربع دبابات في أرض المعركة، بالإضافة إلى مقتل 30 جندياً وجرح نحو 80 آخرين.

برغم فداحة الخسائر الفلسطينية والأردنية، إلا أن الـمعركة سجلت تحولاً مهما  فقد كبد الفلسطينيون الإسرائيليين فشلاً رمزياً ذريعاً.

ومع تصاعد نفوذ ياسر عرفات بالتوازي مع تصاعد شعبية ومكانة حركة "فتح" والفدائيين والكفاح المسلح، كان من البديهي أن يتم ترشيحه في الـمجلس الوطني الفلسطيني الخامس 1-4 شباط 1969 رئيساً للجنة التنفيذية للمنظمة.

أما الدورة السادسة للمجلس 1-6 أيلول1969، فقد شهدت انضمام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلى عضوية المجلس الوطني واللجنة التنفيذية، كما أعلنت المنظمة رفضها للحلول السلمية وقرار مجلس الأمن رقم 242.

وفي القمة العربية الخامسة التي عقدت في الرباط 21-23 كانون الأول 1969 تكرست مكانة منظمة التحرير الفلسطينية على الساحة العربية والدولية، ولأول مرة وضع مقعد رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في الصف الأول على قدم المساواة مع رؤساء وملوك الدول العربية الأخرى، ومنحت المنظمة حق التصويت في القمة.

 

اتفاقية القاهرة 3 تشرين ثاني/1969:

كان ياسر عرفات قد نجح في العام 1968 في إقامة قواعد لحركة "فتح" في منطقة العرقوب بجنوب لبنان، ومنها كانت تنطلق عمليات فدائية إلى فلسطين المحتلة "إسرائيل". وبدأت منظمة التحرير في بسط نفوذها على الجنوب اللبناني، الأمر الذي أدى إلى وقوع مواجهات وصدامات بين الفدائيين والجيش اللبناني انتهت بتوقيع "اتفاقية القاهرة" يوم 3 تشرين الثاني 1969 برعاية الرئيس جمال عبد الناصر بين ياسر عرفات وقائد الجيش اللبناني العماد إميل بستاني. واتسمت الاتفاقية بمرونة، حيث مكنت منظمة التحرير من العمل بجنوب لبنان، وبموجبها أيضاً أصبحت المنظمة مسؤولة عن أمن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وكانت هذه أول اتفاقية تعقدها حكومة عربية مع المقاومة الفلسطينية.

 

أحداث أيلول/1970 في الأردن:

في 17 أيلول/ 1970 اقتحم جنود أردنيون مقر قيادة "فتح" بعمان. وتصاعد التوتر إلى درجة كبيرة بين الجانبين، وتكررت الصدامات بين مسلحين فلسطينيين وقوات الجيش الأردني.

طلب عرفات تدخل القادة العرب لحل الخلاف، فعقدت قمة عربية استثنائية يوم 21 أيلول في القاهرة، وأرسلت القمة ثلاثة مبعوثين إلى الأردن هم الرئيس السوداني جعفر النميري ورئيس الوزراء التونسي الباهي الأدغم ووزير الدفاع الكويتي سعد العبد الله. وتمكنوا بعد صعوبات بالغة من الاجتماع مع ياسر عرفات في السفارة المصرية بعمان.

وفي يوم الجمعة 25 أيلول أعلنت الإذاعة الأردنية أن عرفات والنميري وحسين اتفقوا على وقف النار. ووقع عرفات مع الملك حسين بإشراف 8 دول عربية اتفاق وقف النار يوم 27 أيلول.

وفي يوم أعلن عن وفاة جمال عبد الناصر الذي كان قد وقف بقوة معه ومع الثورة الفلسطينية خاصة في الأيام الأخيرة.

وبغياب عبد الناصر زادت صعوبات مهمة ياسر عرفات في ضبط تطورات العلاقة مع الأردن، وتواصل تفاقم الأمور إلى أن أكمل الجيش الأردني تدمير القواعد الأخيرة للفدائيين في جرش وعجلون في تموز 1971، مما أدّى إلى خروج قوات الثورة الفلسطينية من الأردن.

وفيما بعد لم يكن أمام الفدائيين إلا العمل من لبنان. فبدأ عرفات ينظم العمل العسكري فيه ويحاول تعويض ما خسره في الأردن من أسلحة ومعدات.

 

العام 1973:

شارك عرفات بصفته رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة في مؤتمر القمة الرابع لدول حركة عدم الانحياز الذي عقد في الخامس من أيلول 1973 في الجزائر، حيث قرر المؤتمر الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً وحيداً للشعب الفلسطيني.

نشطت منظمة التحرير هذه المرحلة على الصعيد السياسي، فتعززت مكانتها ومكانة زعيمها عرفات إقليماً ودولياً، وأخذت تمارس مسؤوليات الدولة تجاه شعبها في الداخل والخارج. وأقام عرفات شبكة علاقات واسعة ومهمة، في الوقت الذي كان رفاقه يتحركون على الساحة السياسية العالمية يحشدون الدعم والتأييد لقضية الشعب الفلسطيني ولنضاله العادل ضد الاحتلال.

 

وبالتوازي مع النشاط السياسي بقي النشاط العسكري حاضراً، ففي حرب أكتوبر، ما إن ابتدأ القتال حتى ضاعفت المقاومة بمختلف منظماتها وفصائلها نشاطها العسكري، فتحت المقاومة الفلسطينية جبهة عمليات ثالثة إلى جانب الجبهتين المصرية والسورية، حيث نشطت فصائل المقاومة ووحدات الفدائيين، وبخاصة في الجليل الأعلى والضفة الغربية وقطاع غزة، ونفذت العديد من العمليات التي  كان لها تأثيرها المباشر في رفع الروح المعنوية للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة.

وفي مؤتمر القمة العربية الخامس في الجزائر (26-28 تشرين الأول 1973) نجح عرفات في استصدار قرار ينص على أن منظمة التحرير هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني رغم امتناع الأردن حينها.

 

العام 1974:

وفي شباط/ 1974 حظي ياسر عرفات والوفد الفلسطيني المرافق له باستقبال حافل في لاهور بباكستان، حيث شارك في مؤتمر القمة الإسلامي، والذي أعلن أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

وفي نفس العام أكدت القمة العربية السادسة في الرباط في 28 تشرين الأول اعترافها بمنظمة التحرير ممثلاً وحيداً للشعب الفلسطيني. وأضافت كلمة الشرعي لتصبح الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في جميع أماكن وجوده. وأدخل عرفات على البيان الختامي للقمة بنداً يشير إلى إنه: يمكن للشعب الفلسطيني أن يقيم سلطته الوطنية المستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية على كل جزء يتم تحريره من الأرض.

كما شهد العام 1974 عقد الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني (1-9/6/1974) الذي نتج عنه البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير المكون من عشر نقاط تحدد خط سير المنظمة في المرحلة القادمة.

وتوج عرفات النجاحات السياسية للثورة الفلسطينية يوم 13 تشرين الثاني 1974 حين ألقى خطاباً تاريخياً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال عبارته الشهيرة في ختام الخطاب: "جئت حاملاً غصن الزيتون في يد، وفي الأخرى بندقية الثائر، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي.. الحرب بدأت من فلسطين، ومن فلسطين سيولد السلام". وكان عرفات أول زعيم لا يمثل دولة  يُعطى الحق في إلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

 

الحرب الأهلية في لبنان:

حاول عرفات ورفاقه بناء مؤسسات منظمة التحرير بما يخدم الشعب الفلسطيني في كافة المجالات، إضافة إلى  الكفاح لاسترداد حقوقه المشروعة، لكن بعض الجهات اليمينية في لبنان لم يرق لها تعاظم دور ومكانة المنظمة.

في 13 نيسان /أبريل 1975 تعرضت حافلة فلسطينية إلى هجوم بالأسلحة الرشاشة لدى مرورها في حي عين الرمانة الماروني في بيروت الشرقية، وقتل المهاجمون جميع من فيها. وكانت بمثابة الشرارة لبدء القتال في كل أنحاء لبنان بحجة محاولة اغتيال الزعيم الماروني بيار الجميّل، وتحالفت الحركة الوطنية اللبنانية مع منظمة التحرير الفلسطينية وسيطرا على ما يقرب من 70% من لبنان في نيسان 1976. وتكررت المجازر بحق الفلسطينيين وحلفائهم اللبنانيين من اليساريين والمسلمين السنة والشيعة. ولم يكن أمام عرفات والفلسطينيين أي  خيار سوى البقاء في لبنان وتوطيد التحالف مع المعسكر اللبناني المناصر للقضية الفلسطينية والدفاع عن أنفسهم. وفي آب 1976 تعرض الفلسطينيون لمجزرة جديدة  في مخيم تل الزعتر، حيث دخلت قوات الكتائب المخيم في اليوم التالي لتوقيع اتفاق إخلاء سكانه، ارتكبوا مجزرة فظيعة أسفرت عن استشهاد أكثر من ألفين من سكان.

 كانت سنة 1976 سنة صعبة على عرفات والفلسطينيين في لبنان، بالرغم من نجاح ياسر عرفات في تعزيز مكانة المنظمة داخل الأرض المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة آنذاك، حيث نجحت قوائم منظمة التحرير في اكتساح الانتخابات البلدية في الضفة.

وكذلك دعم عرفات الاتصالات الفلسطينية مع الإسرائيليين التقدميين الذين يعترفون بالحقوق الفلسطينية أو من عرفوا بأنهم من معسكر السلام الإسرائيلي الرافض لاستمرار احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة.

وفي العام 1977 خسرت منظمة التحرير حليفاً مهماً على الساحة اللبنانية هو كمال جنبلاط الذي اغتيل في كمين يوم 16 آذار/مارس من تلك السنة. وفي نفس السنة أيضاً كانت زيارة السادات لإسرائيل يوم 19 تشرين الثاني، عندها شعر ياسر عرفات أن "الشعب الفلسطيني تلقى طعنة في الظهر".

وفي هذه المرحلة تعززت علاقات عرفات و"المنظمة" مع الاتحاد السوفييتي سياسياً وعسكرياً، وتلقى الفلسطينيون منه أسلحة ومعدات متطورة بينها صواريخ مضادة للطائرات وللدبابات.

انتهت الحرب الأهلية اللبنانية عملياً في عام 1989 بعد اتفاق الطائف. إلا أن منظمة التحرير كانت قد خرجت من الصراع منذ خروجها من لبنان في عام 1982 إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان، باستثناء حرب المخيمات التي نشبت ما بين 1985-1988 والتي كان لبقايا مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية في مخيمات لبنان، دور فيها.

 

الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان:

كان الوضع في لبنان في بداية عام 1982 يشكل امتداداً لأوضاع الحرب الأهلية اللبنانية في تموز 1981، وبالرغم من إبرام وقف إطلاق النار بين إسرائيل وقوات منظمة التحرير الفلسطينية بإشراف فيليب حبيب، إلا أن الإسرائيليين كانوا قلقين من تجمع قوات منظمة التحرير في جنوب لبنان كونه يشكل تهديداً لأمن حدودها الشمالية.

في 21 نيسان 1982 قصف سلاح الجو الإسرائيلي موقعاً لمنظمة التحرير في الجنوب، وفي 9/ أيار 1982 قامت منظمة التحرير الفلسطينية بالرد بقصف صاروخي لشمال إسرائيل، وتلا هذا القصف المتبادل محاولة لاغتيال سفير إسرائيل في بريطانيا، شلومو أرجوف.

في 3 حزيران 1982 قامت إسرائيل، وكردٍ على عملية الاغتيال هذه، بقصفٍ لمنشآت ومواقع تابعة لمنظمة التحرير في قلب بيروت.

وفي 6 حزيران 1982 قامت إسرائيل باحتلال جنوب لبنان بعد أن هاجمت منظمة التحرير الفلسطينية والقوات السوريّة والمليشيات المسلحة اللبنانية، وحاصرت منظمة التحرير وبعض وحدات الجيش السوري في بيروت الغربيّة. انسحبت منظمة التحرير من بيروت بعد أن تعرّض ذلك القسم منها إلى قصف عنيف، وكان ذلك بمعاونة المبعوث الخاص، فيليب حبيب، وتحت حماية قوات حفظ السلام الدولية.

في 10 آب 1982 شهدت تونس حدثاً مهماً إذ استقبلت زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات وجميع عناصره الذين كانوا في بيروت إثر الحصار الإسرائيلي المفروض عليها وذلك بعد الدور الدبلوماسي الذي لعبته تونس عربياً (بعد انتقال مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس عقب اتفاقية كامب ديفيد) ودولياً.

اتخذت منظمة التحرير الفلسطينية من تونس مقراً لها طوال نحو عشر سنوات، قبل أن يمهد اتفاق للسلام أبرم عام 1993 الطريق أمام عودتها إلى الضفة الغربية وقطاع غزة.

 

الانتفاضة الشعبية 1987:

حققت الانتفاضة الأولى نتائج سياسية غير مسبوقة، إذ تم الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني عبر الاعتراف الإسرائيلي الأميركي بسكان الضفة والقدس والقطاع على أنهم جزء من الشعب الفلسطيني وليسوا أردنيين.

أدركت إسرائيل أن للاحتلال تأثير سلبي على المجتمع الفلسطيني، كما أن القيادة العسكرية أعلنت عن عدم وجود حل عسكري للصراع مع الفلسطينيين، مما يعني ضرورة البحث عن حل سياسي.

أدت هزيمة صدام حسين خلال حرب الخليج الثانية إلى ارتياح في داخل المجتمع الإسرائيلي مما يعني نهاية أي تهديد محتمل، اكتسبت إسرائيل القدر الكافي من الثقة الذي يمكنها من القيام بمبادرات سياسية. وأراد كل من الرئيس جورج بوش الأب وحلفائه الأوروبيين والعرب استخدام نتائج الحرب كنقطة انطلاق لعملية سلام بين العرب وإسرائيل، فجاء مؤتمر مدريد الذي شكل بداية لمفاوضات السلام الثنائية بين إسرائيل والدول العربية وتم التشاور مع الفلسطينيين حول حكم ذاتي.

 

إنشاء السلطة الوطنية:

في عام 1993 أخذت الأحداث في الشرق الأوسط  مسار جديداً بعد موافقة كل من ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين على توقيع اتفاقية سلام تاريخي في واشنطن بعد جولات من المفاوضات غير العلنية بين وفدين من المنظمة وإسرائيل في النرويج. عرفت "باتفاق أوسلو" الذي وقع يوم 13/9/1993 في واشنطن على أساس الأرض مقابل السلام وقد كانت هذه الاتفاقية مفاجأة للعالم، حيث تم الموافقة على تمكين الفلسطينيين من الحكم الذاتي وانسحاب إسرائيل التدريجي من المدن الفلسطينية، بدءاً بغزة وأريحا أولاً عام 1994.

وكان قد سبق هذا الاتفاق تبادل رسائل بين ياسر عرفات وإسحق رابين  تتضمن اعتراف منظمة التحرير بحق إسرائيل في الوجود وتتخلى عن اللجوء إلى الإرهاب، المقصود به مقاومة الاحتلال من وجهة النظر الإسرائيلية. مقابل التزام إسرائيل بإيجاد حل سلمي للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي واعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل الشعب الفلسطيني.

 في أيار 1994 انسحبت القوات الإسرائيلية من قطاع غزة وأريحا تنفيذاً لاتفاقية أوسلو، وأصبحت تلك الأراضي تحت سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني ممثلة بالسلطة الوطنية الفلسطينية.

بتاريخ 1/7/ 1994، عاد رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات إلى قطاع غزة بعد 33 سنة. دخل في البداية إلى مدينة غزة وبعد ثلاث أيام سافر على متن مروحية إلى مدينة أريحا وهما مناطق الحكم الذاتي في تلك المرحلة بناء على الاتفاق.

وفي تشرين أول من عام 1994 أعلنت لجنة جائزة نوبل للسلام منح الجائزة لهذا العام لكل من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين ووزير خارجيته شمعون بيريز، و ذلك لمجهودهم في تحقيق السلام في الشرق الأوسط.

في شباط 1995، عقدت قمة شرق أوسطية في القاهرة بدعوة من مصر ضمت كل من إسرائيل والأردن ومصر ومنظمة التحرير الفلسطينية وذلك لتحريك عملية السلام، بعد الاجتماعات، أصدر المؤتمر بيان مشترك يدعو فيه لمواصلة العملية السلمية، ويدين العنف السياسي، ويطالب بالمزيد من الدعم للسلطة الفلسطينية.

في 24 أيلول، انتهى الوفدين الإسرائيلي والفلسطيني المتفاوضين في مدينة طابا المصرية مباحثاتهم بالتوصل إلى اتفاق للمرحلة الثانية من انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية، حيث يقضي الاتفاق على انسحاب إسرائيل من 6 مدن عربية رئيسية و400 قرية في بداية العام 1996، كما سوف يتم انتخاب 82 عضو للمجلس التشريعي الفلسطيني.

كما تم اتخاذ ترتيبات خاصة بمدينة الخليل التي ستٌبقي القوات الإسرائيلية على أجزاء من المدينة لحماية المستوطنين، وهي المعضلة التي كانت سوف تجهض المفاوضات لولا استمرار المباحثات على مستوى الرئيس عرفات مع بيريز لمدت أسبوع لإنهاء الخلاف.

هذا الاتفاق، هو المرحلة الثانية من ثلاث مراحل تم الاتفاق عليها في اتفاق إعلان المبادئ الموقع في أيلول 1993، المرحلة الأولى كانت قد أنجزت في أيار 1994 عند توقيع اتفاق الانسحاب وتسليم السلطات الموقع في القاهرة.

أما المرحلة الثالثة، وهي ما يسمي بمفاوضات الوضع النهائي، فسوف يتم التباحث فيها على موضوعات مؤجلة، منها: وضع مدينة القدس، والمستوطنين، والحدود، واللاجئين.

 

الانتخابات التشريعية والرئاسية 1996:

وفي ربيع 1996، وبناء على الاتفاقيات الموقعة سابقاً، أتم الجيش الإسرائيلي انسحابه من القرى والبلدات ومن مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية وفي تلك الأثناء، اتخذت خطوات جديدة لتعزيز أسس السلطة الوطنية، فتقرر تنظيم انتخابات لمجلس ولرئاسة الحكم الذاتي في 20 كانون الثاني 1996.

انتُخب ياسر عرفات رئيساً للسلطة الفلسطينية وحصل على 188% من أصوات المشاركين في الانتخابات، أما  سميحة خليل منافسته، فحصلت على 38 % من الأصوات.

جرت الانتخابات الرئاسية في نفس يوم انتخاب الأعضاء الـ88 للمجلس التشريعي، التي تنافس فيها  700 مرشح.  فاز أعضاء "فتح" وأنصارهم المستقلون بـ 68 مقعداً.

بعد ثلاثة أسابيع، أدى ياسر عرفات في المجلس التشريعي بغزة اليمين الدستورية كأول رئيس للسلطة الفلسطينية. انعقدت الجلسة الأولى للمجلس التشريعي يوم 7 آذار 1996 في غزة.